المحاضرة الثانية لمقرر أصول الفقه الاسلامي (2)

المحاضرة الثانية لمقرر أصول الفقه الإسلامي (2)

قسم الجمهور دلالة الألفاظ إلى قسمين:
1.دلالة المنطوق .
2. دلالة المفهوم .
أولاً. دلالة المنطوق :
أ.تعريف دلالة المنطوق :" هو ما دل عليه اللفظ المنطوق به,وفهمه السامع بمجرد
السماع ، ولا يحتاج إلى بحث ودراسة.
أو :هو ما دل عليه اللفظ المنطوق به من معنى سواء كان المعنى حكم شرعي، أو غير
حكم شرعي.
*ويسمى دلالة المنطوق عند الحنفية : دلالة العبارة, أو( عبارة النص)، وهي:"الفهم
المتبادر إلى ذهن السامع بدون حاجة إلى دراسة وبحث ".
ملاحظة :
1.إن الفظ المنطوق به قد يكون له حقيقة شرعية، أو عرفية، أو لغوية ، أو غير ذلك .
2.رتب الأصوليون أن المنطوق به يحمل على المعنى الشرعي، ثم العرفي، ثم اللغوي، ثم المجاز.

الأمثلة :
1. تقديم المعنى الشرعي أولاَ .
قوله : "في الغنم السائمة زكاة " .
فإن كلمة : (الزكاة) ، لها معنيان:
أ. شرعي :" وهو مقدار معين من المال يؤخذ من الأغنياء بشروط مخصوصة، وهو
ركن من أركان الإسلام " .
ب. لغوي : النماء ، والتطهير .
فالمراد هنا من قوله  : المعنى الشرعي .
2.قوله  : " بني الإسلام على خمس…وعد منها الصوم .
فإن كلمة: ( الصوم) ، لها معنيان :
أ. شرعي :" هو الإمساك عن الطعام والشراب ،والجماع من طلوع الفجر الصادق حتى
غروب الشمس .
ب. لغوي : الإمساك عن الكلام ، أو الغيبة ، أو غير ذلك.
والمراد هنا في الحديث: المعنى الشرعي .
3.إذا لم توجد الحقيقة الشرعية يُحمل اللفظ على الحقيقة العُرفية في عهده  ؛ لأنه المتبادر إلى الفهم، فإن تعذر تحمل على الحقيقة الغوية، ثم على المجاز صوناَ للكلام عن الإهمال .
الأمثلة على دلالة المنطوق من الكتاب ، والسنة :
أولاً. من القرآن الكريم :
1.قال تعالى: (..وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثم وَالْعُدْوَانِ ).(المائدة:2)
دلالة المنطوق : وجوب التعاون على الخير، وحرمة التعاون على الشر والعدوان .
2.قال تعالىقَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ …) . (التوبة:14). دلالة المنطوق : وجوب قتال المشركين .
3.قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوماَ غضب الله عليهم ) .(الممتحنة:13).
دلالة المنطوق : يحرم موالاة اليهود ، وحبهم والثقة بهم ومناصرتهم .
ثانياً . من السنة النبوية :
1.قوله  : " من رأى منكم منكراَ فليغره بيده,فإن لم يستطع فبلسانه ..." .(رواه مسلم)
دلالة المنطوق : أن تغيير المنكر واجب على من يملكها ,وليس واجباَ على من لا يملكها
2.قوله  : " من غش فليس منا " .
دلالة المنطوق: حرمة الغش .
ب. .أقسام المنطوق :
ينقسم المنطوق إلى قسمين :
أولاً. أقسام المنطوق باعتبار إمكانية التأويل :
أ.منطوق لا يحتمل التأويل : ويسمى ( النص) : " وهو اللفظ الذي لا يحتمل إلا
معنى واحداً، ولا يحتمل غيره ".
الأمثلة :
1.قال تعالى: ( وما محمدٌ إلا رسول قد خلت من قبله الرسل…) .(آل عمران :144) .
مدلول المنطوق: هو محمد ، ولا يحتمل غيره؛ لأنه الموضوع له .
2.قال تعالى: (فلما قضي زيدٌ منها وطرأ زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواجهم)
مدلول المنطوق : الذات المشخصة في لفظ : (زيد) , ولا يحتمل غيره ؛ لأنه الموضوع
له .
ب. المنطوق الذي يحتمل التأويل : ويسمى (ظاهراً) :" وهو اللفظ الذي يحتمل أكثر من
معنى ".
الأمثلة :
1. قوله  بعد غزوة الأحزاب : "من كان سماعاَ مطيعاَ فلا يصلينّ إلا في بني قريظة".
دلالة المنطوق : يحتمل أكثر من معنى في الحديث ، كما يلي :
أ. المعنى الحقيقي : أن مكان الصلاة في بني قريظة ولو تأخر عن وقتها ,وأقر  نفر
من صحابته.
ب. المعنى المجازي : الإسراع في التوجه إلى بني قريظة لإدراك الصلاة في وقتها ، وأقر
النبي عليه السلام نفر من صحابته على ذلك .
2.كلمة( أسد) : لها معنيان :
أ. المعنى الحقيقي: الأسد الذي يعيش في الغابة.
ب. المعنى المجازي :رأيت أسداَ يخطب في الناس .( الإنسان الشجاع) .

ثانياً . أقسام المنطوق الصريح باعتبار الدلالة :
وينقسم إلى قسمين:
أ . المنطوق الصريح : " وهو اللفظ الذي يدل معناه بالمطابقة أو التضمن " .
الأمثلة :
1. لفظ: (الصلاة) :
مثال المطابقة: تطلق لفظ (الصلاة): على مجموعة من الأقوال ، والأفعال المبتدئة
بالتكبير، والمنتهية بالتسليم، وهذا المعنى مطابق للفظ الصلاة.
مثال التضمن: وتطلق (الصلاة ) : على الركوع ، أو السجود ، وإن كانت جزءاَ من
الصلاة .
1. لفظ : (البناء) :
المطابقة : يُطلق لفظ : (البناء) ، على الأساس ، والسقف ، والجدران فهو مطابق .
التضمن : ويطلق (البناء) ، على السقف فقط فيتضمن اللفظ .
2. لفظ : (الإنسان) :
المطابقة : يُطلق على الحيوان الناطق فهو مطابق .
التضمن : يطلق لفظ (الإنسان ) ، على جزء المسمى ، مثل : دلالة الإنسان على
الحيوان فقط , أو النطق فقط.
ب. المنطوق غير الصريح : " وهو اللفظ الذي يدل معناه على الالتزام, ويسمى
عند الحنفية(دلالة الإشارة ،أو إشارة النص) .
الأمثلة :
1.قال تعالى : ( فأسالوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) . (النحل :43).
المعنى ألالتزامي في الآية : وجوب تأهيل أهل الذكر وإعدادهم .
2.قوله : " من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية " .
المعنى ألالتزامي في الحديث : وجوب العمل لإيجاد من هو أهل للحكم والبيعة على الأمة .
أقسام المطوق غير الصريح :
ينقسم إلي ثلاثة أقسام :
القسم الأول : دلالة الاقتضاء: " وهي تقدير لفظ يتوقف عليه صدق الكلام،أو صحته
شرعا، أو عقلاَ , وهو مقصود المتكلم"، ويسمى عند الحنفية : (دلالة
الاقتضاء).
مثاله : قال تعالى: (حُرمت عليكم أمهاتكم ). (النساء:23).
النص : يقتضي تقدير كلمة : (نكاح, أو وطء) ، فيكون المعنى: (حرم عليكم نكاح
أمهاتكم ) .

القسم الثاني :دلالة الإيماء: " وهو اقتران اللفظ بحكم ولو لم يكن للتعليل ، وهذا هو
القياس" .
القسم الثالث : دلالة الإشارة : "وهي دلالة اللفظ على المعنى ألالتزامي " .
مثاله :
قوله تعالي : ( وحمله وفصاله ثلاثون شهرا َ) ، أي مجموع أشهر الحمل والرضاع حتى
الفطام 30 شهراً
وقوله تعالي : ( وفصاله في عامين) ، أي مدة الرضاعة(24) شهراً ؛ فيكون أقل الحمل
(6) أشهر.
ملاحظة :
1. يطلق الأصوليون على موافقة حكم المفهوم للمنطوق :" مفهوم الموافقة " .
2. ومخالفة حكم المفهوم للمنطوق : " مفهوم المخالفة " .

ثانياً . دلالة المفهوم :
1. تعريف مفهوم الموافقة : " هو ثبوت حكم المنطوق به للمسكوت عنه " .
أو :" موافقة حكم المسكوت عنه لحكم المنطوق به ". ويطلق الحنفية عليه :
(دلالة النص)
الشرح :
أ . المنطوق به : هو الحكم الذي يدل عليه اللفظ المنطوق به .
ب.والمسكوت عنه : هو الحكم الذي يلحق بالمنطوق لوجود العلة المشتركة بينهما.
ج.ُ يطلق مفهوم الموافقة في كتب الأصوليون على :
1. فحوى الخطاب :" وهو ما يُفهم منه على سبيل القطع ,ويُقال (فحوى الكلام ) .
2. مفهوم الخطاب :" وهو موافقة حكم المسكوت عنه لحكم المنطوق به ".
3. لحن الخطاب :" وهو ما دل على مثله ".
4. القياس الجلي ( القياس الظاهر ): " وهو الذي لا يحتاج إلى عناء بحث,ويعرف
عن طريق العلة" .والفرق بين مفهوم الخطاب ولحن الخطاب، كما يلي :

اللحن الفحوى
1. ما ظهر في أثناء اللفظ .
2.هو ما دل على مثله. 1. هو ما نبه عليه اللفظ .
2. ما دل على ما هو أقوى منه.

الأمثلة على مفهوم الموافقة:
1. قال تعالىوقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا….ولا تقل لهما أف ولا
تنهرهما).
منطوق الآية : حرمة تأفف الولد في وجه أبويه .
مفهوم الموافقة : حرمة سب الوالدين ، أو الاعتداء عليهما، وهو ليس أمر قياس؛ بل
يفهمه كل عربي .
2. قال تعالى: ( ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك).(آل عمران :75).
المنطوق : يوجد من أهل الكتاب من يُستأمن على الأمانة ويؤديها عند طلبها غير منقوصة .
مفهوم الموافقة : هذه الفئة أمينة في الكثير فمن باب أولي أن تكون أمينة في القليل ؛ مثل
الدينار والدرهم .
3. قال تعالى: ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ).(الزلزلة:7-8).
المنطوق: الحساب على ذرة الخير بالجزاء,والعقاب على ذرة الشر.( الجزاء على القليل )
مفهوم الموافقة : الجزاء يوم القيامة يكون على القتل والقذف من باب أولي.( الجزاء على الكثير من باب أولى).
4. فلان لا يخون في دينار، ولا دولار .
المنطوق : الأمانة موجودة عنده في الدولار ، والدينار. (هذا في القليل)
مفهوم الموافقة: الأمانة موجودة عنده في المائة دولار ، وآلاف الدنانير. ( الكثير من
باب أولى).

أقسام مفهوم الموافقة :
تنقسم مفهوم الموافقة إلى الأقسام التالية :
القسم الأول : دلالة اللفظ على التساوي بين المسكوت عنه والمنطوق به في الحكم
بطريقة الأولى، والعلة في المسكوت أقوي من المنطوق .
وعليه : يكون حكم المسكوت عنه أولى من المنطوق به .
الأمثلة:
1. قال تعالى: ( ومنهم إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا مادامت عليه قائماَ ).(آل
عمران:75).
المنطوق : يوجد فريق من أهل الكتاب يخونون الأمانة، ولو كانت ديناراَ .
المفهوم : إن هذا الفريق من أهل الكتاب يخونون الأمانات الكبيرة من باب أولى .
2. قال تعالى : ( فلا تقل لهما أف ) .(الإسراء :23)
المنطوق : يحرم على الولد أن يقول لوالديه (أف) …أي يحرم التأفف.
المفهوم : يحرم الشتم والأذى ، من باب أولي .
3. قال تعالى : ( ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ).(آل عمران :75).
المنطوق : فريق من أهل الكتاب يؤدون الأمانة ولو كانت كبيرة .
المفهوم : إن هذا الفريق يؤدي الأمانة ولو كانت قليلة من باب أولي .

القسم الثاني : دلالة اللفظ على التساوي بين المسكوت عنه والمنطوق به في الحكم بطريق
المساواة أو الأدنى,والعلة متساوية في المسكوت عنه ، والمنطوق به .
الأمثلة:
1.قال تعالى : ( إن الذي يأكلون أموال اليتامى ظلماَ إنما يأكلون في بطونهم ناراَ
وسيصلون سعيراَ).
دلالة المنطوق : أكل أموال اليتامى ظلماَ حرام يستوجب العقوبة في الآخرة .
دلالة المفهوم : الاعتداء على أموال اليتامى بالحرق ، أو الاغتصاب حرام .
العلة المشتركة: هي الاعتداء على أموال اليتامى وإلحاق الضرر بهم .

وهناك تقسيم آخر لدلالة مفهوم الموافقة يعود لدرجة الدلالة على الحكم :
وينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: مفهوم مقطوع بصحته: وهذا يدل علي اللفظ المفهوم عليه دلالة قاطعة لا
يحتمل غيرها.
الأمثلة:
1. قال تعالى : (فلا تقل لهما أف ) .(الإسراء:23).
المفهوم المقطوع بصحته : إن تحريم الشتم والضرب مقطوع بحرمته ؛ لأنه أشد من
التأفف المحرم
2.قوله :" المسلمون تتكافأ دماؤهم ,ويسعى بذمتهم أدناهم , وهم يد على من سواهم"
3.وقوله : " ذمة المسلمين واحدة يسعى بهم أدناهم " .
المفهوم المقطوع بصحته : إن إجارة الأمراء والقادة والولاة أولى في إعطاءها للكفار
المحاربين , وقد أجاز النبي  إجارة أم هاني، ولم تتقلد منصباَ في الدولة .
وعليه : فحكم المسكوت موافق لحكم المنطوق به .
4.قوله "أنه نهى أن يسافر المسلم بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو"، وهذا مقطوع بصحته .
القسم الثاني : مفهوم ما يغلب عليه الظن : وهو ما يترجح للعالم صحته .
الأمثلة:
1. قال تعالى: ( ومن قتل مؤمناَ خطأَ فتحرير رقبة مؤمنة ).(النساء :92).
المنطوق : تجب الكفارة على قاتل الخطأَ، وهي تحرير رقبة …الخ
رجح الشافعي: أن الكفارة تجب على القاتل العمد ، وهذا من باب غلبة الظن، وليس لأن
الدلالة قطعية.
2.قوله  : " لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام ، وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى
أضيقه ".
المنطوق : تضييق الطريق على الذمي واليهودي .
رجح الإمام أحمد : عدم وجود شفعة للذميين ، وهذا بالظن .

يعطيك العافية علي هالمجهود وجعلك الله ذخرا لهذا البلد