علم اللغة العام - للدكتور عبده الراجحي
صفحة 1 من اصل 1
علم اللغة العام - للدكتور عبده الراجحي
بسم الله الرحمن الرحيم
علم اللغة العام
للدكتور عبده الراجحي
يرجع مصطلح "علم اللغة العام" إلى أوائل القرن العشرين حين جمع تلاميذ فردينان دي سوسير (1857– 1913م) محاضراته وأصدروها سنة 1916م. في كتاب عنوانه:Cours de Linguistique generale "محاضرات في علم اللغة العام".
ومنذ ذلك الحين أخذ هذا المصطلح يستقر شيئا فشيئا إلى أن أصبح واحدًا من أكبر إنجازات هذا القرن.
كانت دراسة اللغة في أوروبا في القرن التاسع عشر قد تحولت من المنهج اللاتيني التقليدي إلى أحضان "الفيلولوجيا" التي كرست نفسها للدرس التاريخي والمقارن. وقد وجد دي سوسير أن ذلك لا يفضي إلى وصف حقيقي للغة، ومن هنا كانت محاضراته تلك.
دلالته وميدانه:
يعني هذا المصطلح دراسة "اللغة" دراسة علمية Scientific وهو لا يختص بلغة معينة، وإنما يتوجه إلى دراسة أية لغة إنسانية مهما تكن درجة انتشارها ومهما يكن موضع أصحابها في الحياة؛ ومن هنا جاءت صفة هذا العلم بأنه "عام". لكن كيف توصف دراسة اللغة بأنها "علمية"؟
إن مصطلح "العلم" يعني أنك تدرس "مادة" يمكن "محاصرتها" و"الإمساك بها"، وأنك تستطيع أن "تصفها" وصفًا "موضوعيًا" حسب قوانينها هي لا وَفقًا لرؤيتك "الذاتية".
وقد أصبح "علم اللغة" علمًا حقيقيًا حين استطاع أن يؤسس "نظرية" عامة في اللغة، وأن يطور آلة متماسكة من "الإجراءات" يمكن لأي دارس أن يتبعها في دراسة أية لغة.
والعلم لابد أن يستند إلى "تحليل" عناصر المادة من أجل الوصول إلى وصف موضوعي لها؛ ومن ثم فقد حدد علم اللغة "مستويات" معينة للتحليل من "وحدات" خاصة، عرفت باسم مستويات التحليل اللغوي:
1- المستوى الصوتي: Phonetics، ويختص بدراسة "الصوت" اللغوي مفردًا أو داخلًا في تركيب.
2- المستوى النحوي: Grammar، ويشتمل عند كثيرين على مستوى الصرف morphology، ومستوى النظم syntcs؛ أي حين تتركب العناصر اللغوية في كلمات وفي جمل.
3- المستوى الدلالي: Semantics وميدانه دراسة "المعنى" على اتساع هذا المصطلح وتشعبه.
مدارس علم اللغة:
نشأ علم اللغة وتطور في أحضان "النظرية البنائية" Structural التي ظلت مسيطرة عليه -وعلى كثير من علوم العصر- إلى أواخر الخمسينيات حين ظهرت "النظرية التحويلية التوليدية" Transformational generative على أيدي تشومسكي (1928- ...). أما البنائية فلا تقبل إلا ما يخضع للملاحظة، وترى أن كل لغة قائمة بذاتها، وأنها "نسق" أو"نظام" مغلق، وأن لغات العالم مختلفة، وأن الظواهر اللغوية -شأنها شأن أي نشاط إنساني- يمكن فهمها في الإطار السلوكي؛ ومن ثم فهي مدرسة استقرائية وصفية ترفض المعيارية والتعليل والتأويل. وأما التحويلية التوليدية فتربط بين اللغة و"العقل"، وترى أن لغات العالم تجمعها ظواهر "كلية" Universal مشتركة؛ لأنها تصدر عن عقل إنساني واحد؛ إذ إن الإنسان يولد "بقدرة" على اللغة تتمثل في "الكفاءة" أو"الفطرة" اللغوية Competence وتظهر بعد ذلك أمامنا على السطح في "الأداء" Performance. ولذلك فهي مدرسة استدلالية عقلية وضعية تؤكد التفسير والتعليل.
تتفرع كل مدرسة من هاتين إلى اتجاهات كثيرة، وقد شهد علم اللغة تطوراً هائلاً في العقود الأربعة الأخيرة، وظهرت علوم لغوية ذات تطبيقات علمية مسهمة في الوقت نفسه في تطوير النظرية اللغوية، أهمها علم اللغة الاجتماعي، وعلم اللغة النفسي، وعلم اللغة التطبيقي.
العالم العربي وعلم اللغة العام:
عرف العالم العربي علم اللغة أول مرة عن طريق مصر حين توجه بعض المبعوثين أواخر الثلاثينيات وما بعدها لدراسة هذا العلم في أوروبا. وكانت "دار العلوم" من المعاهد الرائدة في هذا المجال. وظهر كتاب (علي عبد الواحد وافي) عن علم اللغة سنة 1945م، ثم ظهرت أعمال (إبراهيم أنيس) علامة مهمة على الطريق. وأخذ العلم يشق طريقه من بعد في أقسام اللغة العربية في مصر وفي جامعات العالم العربي، وازدهر في الآونة الأخيرة في جامعات المغرب على وجه الخصوص. ويعرف علم اللغة في العالم العربي بعبارات مختلفة؛ منها "اللسانيات"، و"الألسنية" على أن مصطلح "علم اللغة" لا يزال أقربها إلى طبيعة هذا العلم ومنهجه...
مراجع:
1- Robins, R.H., General Linguistics An Introductory Survey (Longman 1976).
2- Lyons, J., Language and Linguistics, (Cambridge University Press1986).
3ـ - محمود السعران: علم اللغة - مقدمة للقارئ العربي - دار المعارف بمصر 1962م.
علم اللغة العام
للدكتور عبده الراجحي
يرجع مصطلح "علم اللغة العام" إلى أوائل القرن العشرين حين جمع تلاميذ فردينان دي سوسير (1857– 1913م) محاضراته وأصدروها سنة 1916م. في كتاب عنوانه:Cours de Linguistique generale "محاضرات في علم اللغة العام".
ومنذ ذلك الحين أخذ هذا المصطلح يستقر شيئا فشيئا إلى أن أصبح واحدًا من أكبر إنجازات هذا القرن.
كانت دراسة اللغة في أوروبا في القرن التاسع عشر قد تحولت من المنهج اللاتيني التقليدي إلى أحضان "الفيلولوجيا" التي كرست نفسها للدرس التاريخي والمقارن. وقد وجد دي سوسير أن ذلك لا يفضي إلى وصف حقيقي للغة، ومن هنا كانت محاضراته تلك.
دلالته وميدانه:
يعني هذا المصطلح دراسة "اللغة" دراسة علمية Scientific وهو لا يختص بلغة معينة، وإنما يتوجه إلى دراسة أية لغة إنسانية مهما تكن درجة انتشارها ومهما يكن موضع أصحابها في الحياة؛ ومن هنا جاءت صفة هذا العلم بأنه "عام". لكن كيف توصف دراسة اللغة بأنها "علمية"؟
إن مصطلح "العلم" يعني أنك تدرس "مادة" يمكن "محاصرتها" و"الإمساك بها"، وأنك تستطيع أن "تصفها" وصفًا "موضوعيًا" حسب قوانينها هي لا وَفقًا لرؤيتك "الذاتية".
وقد أصبح "علم اللغة" علمًا حقيقيًا حين استطاع أن يؤسس "نظرية" عامة في اللغة، وأن يطور آلة متماسكة من "الإجراءات" يمكن لأي دارس أن يتبعها في دراسة أية لغة.
والعلم لابد أن يستند إلى "تحليل" عناصر المادة من أجل الوصول إلى وصف موضوعي لها؛ ومن ثم فقد حدد علم اللغة "مستويات" معينة للتحليل من "وحدات" خاصة، عرفت باسم مستويات التحليل اللغوي:
1- المستوى الصوتي: Phonetics، ويختص بدراسة "الصوت" اللغوي مفردًا أو داخلًا في تركيب.
2- المستوى النحوي: Grammar، ويشتمل عند كثيرين على مستوى الصرف morphology، ومستوى النظم syntcs؛ أي حين تتركب العناصر اللغوية في كلمات وفي جمل.
3- المستوى الدلالي: Semantics وميدانه دراسة "المعنى" على اتساع هذا المصطلح وتشعبه.
مدارس علم اللغة:
نشأ علم اللغة وتطور في أحضان "النظرية البنائية" Structural التي ظلت مسيطرة عليه -وعلى كثير من علوم العصر- إلى أواخر الخمسينيات حين ظهرت "النظرية التحويلية التوليدية" Transformational generative على أيدي تشومسكي (1928- ...). أما البنائية فلا تقبل إلا ما يخضع للملاحظة، وترى أن كل لغة قائمة بذاتها، وأنها "نسق" أو"نظام" مغلق، وأن لغات العالم مختلفة، وأن الظواهر اللغوية -شأنها شأن أي نشاط إنساني- يمكن فهمها في الإطار السلوكي؛ ومن ثم فهي مدرسة استقرائية وصفية ترفض المعيارية والتعليل والتأويل. وأما التحويلية التوليدية فتربط بين اللغة و"العقل"، وترى أن لغات العالم تجمعها ظواهر "كلية" Universal مشتركة؛ لأنها تصدر عن عقل إنساني واحد؛ إذ إن الإنسان يولد "بقدرة" على اللغة تتمثل في "الكفاءة" أو"الفطرة" اللغوية Competence وتظهر بعد ذلك أمامنا على السطح في "الأداء" Performance. ولذلك فهي مدرسة استدلالية عقلية وضعية تؤكد التفسير والتعليل.
تتفرع كل مدرسة من هاتين إلى اتجاهات كثيرة، وقد شهد علم اللغة تطوراً هائلاً في العقود الأربعة الأخيرة، وظهرت علوم لغوية ذات تطبيقات علمية مسهمة في الوقت نفسه في تطوير النظرية اللغوية، أهمها علم اللغة الاجتماعي، وعلم اللغة النفسي، وعلم اللغة التطبيقي.
العالم العربي وعلم اللغة العام:
عرف العالم العربي علم اللغة أول مرة عن طريق مصر حين توجه بعض المبعوثين أواخر الثلاثينيات وما بعدها لدراسة هذا العلم في أوروبا. وكانت "دار العلوم" من المعاهد الرائدة في هذا المجال. وظهر كتاب (علي عبد الواحد وافي) عن علم اللغة سنة 1945م، ثم ظهرت أعمال (إبراهيم أنيس) علامة مهمة على الطريق. وأخذ العلم يشق طريقه من بعد في أقسام اللغة العربية في مصر وفي جامعات العالم العربي، وازدهر في الآونة الأخيرة في جامعات المغرب على وجه الخصوص. ويعرف علم اللغة في العالم العربي بعبارات مختلفة؛ منها "اللسانيات"، و"الألسنية" على أن مصطلح "علم اللغة" لا يزال أقربها إلى طبيعة هذا العلم ومنهجه...
مراجع:
1- Robins, R.H., General Linguistics An Introductory Survey (Longman 1976).
2- Lyons, J., Language and Linguistics, (Cambridge University Press1986).
3ـ - محمود السعران: علم اللغة - مقدمة للقارئ العربي - دار المعارف بمصر 1962م.
محمود عبد الصمد الجيار- عدد المساهمات : 41
العمر : 34
مواضيع مماثلة
» كلمة الأستاذ الدكتور عبده علي الراجحي في حفل استقباله عضوًا جديدًا بمجمع اللغة العربية بالقاهرة
» فقه يساير متطلبات العصر.. كيف؟ للشيخ عبده الراجحي
» عبده الراجحي: تعليم العربية.. إلى أين؟ (( محمود عبد الصمد الجيار ))
» فقه يساير متطلبات العصر.. كيف؟ للشيخ عبده الراجحي
» عبده الراجحي: تعليم العربية.. إلى أين؟ (( محمود عبد الصمد الجيار ))
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء مارس 22, 2016 11:40 pm من طرف أبو مصعب بربروس
» لتكن حياتك مرتبطة بذكر الله
الأحد مارس 20, 2016 10:39 am من طرف أ . حسام كيوان
» القيم المستنبطة من سورة الاسراء
الإثنين ديسمبر 08, 2014 6:23 pm من طرف mr.gevara
» ملخص مادة الأحوال الشخصية لجامعة القدس المفتوجة برنامج التنمية
الجمعة أكتوبر 10, 2014 7:36 pm من طرف احمد الزعتر
» رسالة الاساذ زياد خربوطلي
الخميس سبتمبر 25, 2014 12:08 am من طرف اسعد الفرا
» حقيقة الأسير وشروطه
الأحد مايو 25, 2014 9:07 pm من طرف طالب
» الحرية في الإسلام
الأحد مايو 25, 2014 9:07 pm من طرف طالب
» الحسبة بين النظرية والتطبيق
الأحد مايو 25, 2014 9:07 pm من طرف طالب
» الوسطية في الإسلام
الأحد مايو 25, 2014 9:05 pm من طرف طالب