لا توجد مدارس نحوية الآن.. وإنما لغويون مستهلكون!
صفحة 1 من اصل 1
لا توجد مدارس نحوية الآن.. وإنما لغويون مستهلكون!
بسم الله الرحمن الرحيم
لا توجد مدارس نحوية الآن.. وإنما لغويون مستهلكون!
[لقاء نشر بمجلة «الجيل» السعودية، العدد 112، 1 - 15 جمادى الآخرة 1411 هـ - ديسمبر 1990 م، صفحة: 22، أجرى اللقاء الأستاذ عبد المجيد العمري]
اللغة في حياة أي شعب من الشعوب.. فضلا عن أنها أداة الفكر والثقافة، فإن لها وظيفتها الاجتماعية والنفسية المؤثرة على حياة الأفراد والمجتمعات، حيث أنها أداة التعبير والتفاهم بين الأفراد، كما أنها الوسيلة لتنمية الذاتية، وتوحيد الشعور الوطني بين أبناء الوطن الواحد.
لكن لغتنا العربية كواحدة من اللغات، تعيش أزمة حقيقية، تتمثل في الفجوة المتزايدة بين«عامية الحديث» و«فصحى الكتابة» وما يحمله ذلك من مخاطر التغريب الثقافي، وما له من دلالات تربوية تتعلق بمشاعر الولاء والانتماء لدى النشء والشباب، تجاه تراثهم وثقافتهم العربية.
ونظرا لخطورة القضية وأهميتها، التقت «الجيل» بالأستاذ الدكتور عبده الراجحي، أحد الأساتذة القلائل المتخصصين في علمي النحو والصرف العربي القديم، والدرس اللغوي الحديث.
• دكتور.. من خلال الفجوة العميقة بين «عامية الحديث» و «فصحى الكتابة »، كيف ترى آثار ذلك لغويا على الأجيال القادمة؟
- إن وجود «عامية» و«فصيحة» شيء طبيعي في اللغات، والقضية قضية «تعليم».. والذي أود أن أؤكده أنه لا توجد«ازدواجية» لغوية في العالم العربي، لأن «العاميات» ليست من لغة أخرى.. والعربي الأمي يفهم الفصحى ويستجيب لها، وإن كان لا ينتجها، وعلينا أن نبحث عن مكمن الخطرفي مجال آخر، وآراه في «تعليم» العربية.
• هل يمكن اعتبار استخدام «العامية» في المدارس، وفي وسائل الاتصال مدخلا للتعريب على حساب «الفصحى»؟
- لا شك أن لاستخدام «العامية» في المدارس، وفي وسائل الاتصال تأثيرا سلبيا على «الفصحى» خاصة إذا كان مدرس اللغة العربية يستخدم العامية في قاعة الدرس، ومع هذا فلا يجب أن «نضخم» من هذه المسألة، لأن «الفصحى» موجودة فاعلة على نطاق واسع، في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة وفي خطب المساجد، وفي النوادي الأدبية وفي كل مكان.
• مع الضعف العام لمستوى دراسي اللغة العربية.. ألا تعتقدون بأن ذلك قد يكون سببا في طغيان اللهجات المحلية، لتصبح لغة الكتابة والإعلام؟
- نعم.. حين يكون المتخصص في العربية ضعيفا فيها، فإنه يهرب من استعمال أساليبها الفصيحة والعالية، ويقدم لقرائه أو تلاميذه نماذج رديئة تؤثر عليهم في المستقبل.
• رغم ريادة اللغة العربية، وعمرها الزمني، ومحافظتها على أصولها الثابتة التي لم تتغير، إلا أن تطبيقات الدرس اللغوي الحديث على اللغة العربية لا تزال دون المستوى المطلوب.. كيف تفسرون ذلك؟
-يجب أن نعترف بأننا تخلفنا عن الركب.. ففي عصور الازدهار كانت العربية نموذجا لكل اللغات، وكان العلماء يقلدون النحاة العرب كما حدث في الأندلس.. أما الآن فنحن لم نصنع شيئا، ولم نتقدم خطوة، لا من حيث الإفادة من الدرس الحديث فحسب؛ بل من حيث إدراكنا الحقيقي للتراث.
• يرى كثير من المتخصصين أن للمناهج الدراسية للغة العربية أثرا بارزا في ضعف الطلاب في اللغة العربية والنفور منها.. بحكم خبرتكم وتجاربكم الطويلة واطلاعكم على مناهج تدريس اللغة العربية في معظم أقطار العالم العربي، ما رأيكم في ذلك؟ وهل تمثل مشكلة المناهج ظاهرة في العالم العربي؟
- هذه مشكلة حقيقية الآن.. وعلينا أن ننظر في الواقع التالي: لدينا آلاف الدرسين، كم ندفع لهم ؟ ولدينا ملايين التلاميذ، كم ننفق عليهم؟.. هؤلاء جميعا يجدون أنفسهم مضطرين إلى التعامل مع «كتب»، لا يعرف أحد كيف أُلِّفت.. ولمن ألفت.. وعلى أي أساس كان الاختيار!
فالمصدر الذي يقدم مادة التعليم يغيب عنه المنهج العلمي، والنتيجة هي ما نرى من كراهية التلاميذ للعربية، وضعف المستوى العام.. ومن المهم أن نلفت النظر إلى أن ذلك ليس خاصا ببلد عربي بذاته، وإنما للأسف عام في كل أقطار عالمنا العربي.
• تحتل اللغة الإنجليزية مرتبة الريادة من حيث استخدامها في المحافل الدولية كلغة رسمية أولى،.. وفرضية تعليمها في معظم المدارس بمختلف البلدان غير الناطقة بها.. ترى كيف يمكن للغة العربية أن تحتل هذه المكانة، وهل هناك عوائق تحول دون ذلك؟
- اللغة العربية كانت كذلك يوما ما، ولا تزال هي اللغة المؤهلة لأن تكون أوسع اللغات انتشارا؛ لأنها تحمل كلمة الله إلى الناس.. لكننا الآن أضعف شأنا وأقل إخلاصا ممن سبقونا، ويكفى أن العربية انتشرت في بقاع الأرض في فترة زمنية وجيزة، ولم نحاول نحن أن ندرس كيف تم هذا الانتشار؟
فليس هناك عائق أمام ازدهار العربية في العالم المعاصر إلا شيء واحد، هو أن ندرك أنه لا طريق إلا طريق «العلم».. ولا علم إلا بإخلاص.
• «سيبويه» رائد علم النحو العربي.. بنى العديد من العلماء مؤلفاتهم في النحو على كتابه.. إلا أنه ظهر في الآونة الأخيرة من يرى أن «سيبويه» بنى منهجه في النحو على منهج الإغريق، مما يعني أن النحو العربي قديمه وحديثه قد بني على هذا المنهج.. فما رأيكم في هذا الاتهام؟
- أرى أن الدعاوى التى تتصايح بأن «سيبويه» أقام نحوه على نموذج أرسطو، وأن النحو العربي كله متأثر به، هي دعاوى هزيلة ولا تصمد أمام التحقيق العلمي، وقد بينا ذلك في غير موضع،.. والحق أن النحو العربي قدم نموذجا متفردا، لأنه نشأ في مناخ عقلي إسلامي خالص، صادر عن نظرية معرفية إسلامية، وقد أثبت التطور المعاصر الآن أنه كان صحيحا في أعمدته الكبرى.
• سؤال أخير.. التاريخ العربى شهد مدارس نحوية مختلفة مثل مدرسة أهل البصرة، ومدرسة أهل الكوفة.. فهل نستطيع الحكم بوجود مدارس نحوية الآن، في ضوء انتشار كليات اللغة العربية والمجامع اللغوية؟
- لا توجد الآن مدارس نحوية في العالم العربي، ولا توجد تيارات فكرية حقيقية، وإنما يوجد على أحسن تقدير لغويون «مستهلكون» يتبعون اتجاها لغويا هنا أوهناك، وهذا الاتباع يفتقد «التمثيل» في الأغلب، فضلا عن أنه يفتقد«المشاركة» الفاعلة.
وعلينا أن نعترف بأن نشاطنا اللغوي في العربية مريض، والعافية موجودة ظاهرة، لكننا نتنكب الطريق، ولست أريد أن أعرض للمجامع اللغوية، فهي للأسف لم تصنع شيئا حقيقيا.. واسألوا أي تلميذ، هل تعرف يابني في لغتك معجما معاصرا تستطيع أن تستعمله؟! بل اسألوا أي كاتب هل تعرف مثل هذا المعجم.
فإذاكان العالم العربي على اتساعه، وعلى إمكاناته الهائلة، ليست فيه معاجم عصرية للغته الأولى، فكيف نتحدث عما هو أبعد من ذلك؟!
لا توجد مدارس نحوية الآن.. وإنما لغويون مستهلكون!
[لقاء نشر بمجلة «الجيل» السعودية، العدد 112، 1 - 15 جمادى الآخرة 1411 هـ - ديسمبر 1990 م، صفحة: 22، أجرى اللقاء الأستاذ عبد المجيد العمري]
اللغة في حياة أي شعب من الشعوب.. فضلا عن أنها أداة الفكر والثقافة، فإن لها وظيفتها الاجتماعية والنفسية المؤثرة على حياة الأفراد والمجتمعات، حيث أنها أداة التعبير والتفاهم بين الأفراد، كما أنها الوسيلة لتنمية الذاتية، وتوحيد الشعور الوطني بين أبناء الوطن الواحد.
لكن لغتنا العربية كواحدة من اللغات، تعيش أزمة حقيقية، تتمثل في الفجوة المتزايدة بين«عامية الحديث» و«فصحى الكتابة» وما يحمله ذلك من مخاطر التغريب الثقافي، وما له من دلالات تربوية تتعلق بمشاعر الولاء والانتماء لدى النشء والشباب، تجاه تراثهم وثقافتهم العربية.
ونظرا لخطورة القضية وأهميتها، التقت «الجيل» بالأستاذ الدكتور عبده الراجحي، أحد الأساتذة القلائل المتخصصين في علمي النحو والصرف العربي القديم، والدرس اللغوي الحديث.
• دكتور.. من خلال الفجوة العميقة بين «عامية الحديث» و «فصحى الكتابة »، كيف ترى آثار ذلك لغويا على الأجيال القادمة؟
- إن وجود «عامية» و«فصيحة» شيء طبيعي في اللغات، والقضية قضية «تعليم».. والذي أود أن أؤكده أنه لا توجد«ازدواجية» لغوية في العالم العربي، لأن «العاميات» ليست من لغة أخرى.. والعربي الأمي يفهم الفصحى ويستجيب لها، وإن كان لا ينتجها، وعلينا أن نبحث عن مكمن الخطرفي مجال آخر، وآراه في «تعليم» العربية.
• هل يمكن اعتبار استخدام «العامية» في المدارس، وفي وسائل الاتصال مدخلا للتعريب على حساب «الفصحى»؟
- لا شك أن لاستخدام «العامية» في المدارس، وفي وسائل الاتصال تأثيرا سلبيا على «الفصحى» خاصة إذا كان مدرس اللغة العربية يستخدم العامية في قاعة الدرس، ومع هذا فلا يجب أن «نضخم» من هذه المسألة، لأن «الفصحى» موجودة فاعلة على نطاق واسع، في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة وفي خطب المساجد، وفي النوادي الأدبية وفي كل مكان.
• مع الضعف العام لمستوى دراسي اللغة العربية.. ألا تعتقدون بأن ذلك قد يكون سببا في طغيان اللهجات المحلية، لتصبح لغة الكتابة والإعلام؟
- نعم.. حين يكون المتخصص في العربية ضعيفا فيها، فإنه يهرب من استعمال أساليبها الفصيحة والعالية، ويقدم لقرائه أو تلاميذه نماذج رديئة تؤثر عليهم في المستقبل.
• رغم ريادة اللغة العربية، وعمرها الزمني، ومحافظتها على أصولها الثابتة التي لم تتغير، إلا أن تطبيقات الدرس اللغوي الحديث على اللغة العربية لا تزال دون المستوى المطلوب.. كيف تفسرون ذلك؟
-يجب أن نعترف بأننا تخلفنا عن الركب.. ففي عصور الازدهار كانت العربية نموذجا لكل اللغات، وكان العلماء يقلدون النحاة العرب كما حدث في الأندلس.. أما الآن فنحن لم نصنع شيئا، ولم نتقدم خطوة، لا من حيث الإفادة من الدرس الحديث فحسب؛ بل من حيث إدراكنا الحقيقي للتراث.
• يرى كثير من المتخصصين أن للمناهج الدراسية للغة العربية أثرا بارزا في ضعف الطلاب في اللغة العربية والنفور منها.. بحكم خبرتكم وتجاربكم الطويلة واطلاعكم على مناهج تدريس اللغة العربية في معظم أقطار العالم العربي، ما رأيكم في ذلك؟ وهل تمثل مشكلة المناهج ظاهرة في العالم العربي؟
- هذه مشكلة حقيقية الآن.. وعلينا أن ننظر في الواقع التالي: لدينا آلاف الدرسين، كم ندفع لهم ؟ ولدينا ملايين التلاميذ، كم ننفق عليهم؟.. هؤلاء جميعا يجدون أنفسهم مضطرين إلى التعامل مع «كتب»، لا يعرف أحد كيف أُلِّفت.. ولمن ألفت.. وعلى أي أساس كان الاختيار!
فالمصدر الذي يقدم مادة التعليم يغيب عنه المنهج العلمي، والنتيجة هي ما نرى من كراهية التلاميذ للعربية، وضعف المستوى العام.. ومن المهم أن نلفت النظر إلى أن ذلك ليس خاصا ببلد عربي بذاته، وإنما للأسف عام في كل أقطار عالمنا العربي.
• تحتل اللغة الإنجليزية مرتبة الريادة من حيث استخدامها في المحافل الدولية كلغة رسمية أولى،.. وفرضية تعليمها في معظم المدارس بمختلف البلدان غير الناطقة بها.. ترى كيف يمكن للغة العربية أن تحتل هذه المكانة، وهل هناك عوائق تحول دون ذلك؟
- اللغة العربية كانت كذلك يوما ما، ولا تزال هي اللغة المؤهلة لأن تكون أوسع اللغات انتشارا؛ لأنها تحمل كلمة الله إلى الناس.. لكننا الآن أضعف شأنا وأقل إخلاصا ممن سبقونا، ويكفى أن العربية انتشرت في بقاع الأرض في فترة زمنية وجيزة، ولم نحاول نحن أن ندرس كيف تم هذا الانتشار؟
فليس هناك عائق أمام ازدهار العربية في العالم المعاصر إلا شيء واحد، هو أن ندرك أنه لا طريق إلا طريق «العلم».. ولا علم إلا بإخلاص.
• «سيبويه» رائد علم النحو العربي.. بنى العديد من العلماء مؤلفاتهم في النحو على كتابه.. إلا أنه ظهر في الآونة الأخيرة من يرى أن «سيبويه» بنى منهجه في النحو على منهج الإغريق، مما يعني أن النحو العربي قديمه وحديثه قد بني على هذا المنهج.. فما رأيكم في هذا الاتهام؟
- أرى أن الدعاوى التى تتصايح بأن «سيبويه» أقام نحوه على نموذج أرسطو، وأن النحو العربي كله متأثر به، هي دعاوى هزيلة ولا تصمد أمام التحقيق العلمي، وقد بينا ذلك في غير موضع،.. والحق أن النحو العربي قدم نموذجا متفردا، لأنه نشأ في مناخ عقلي إسلامي خالص، صادر عن نظرية معرفية إسلامية، وقد أثبت التطور المعاصر الآن أنه كان صحيحا في أعمدته الكبرى.
• سؤال أخير.. التاريخ العربى شهد مدارس نحوية مختلفة مثل مدرسة أهل البصرة، ومدرسة أهل الكوفة.. فهل نستطيع الحكم بوجود مدارس نحوية الآن، في ضوء انتشار كليات اللغة العربية والمجامع اللغوية؟
- لا توجد الآن مدارس نحوية في العالم العربي، ولا توجد تيارات فكرية حقيقية، وإنما يوجد على أحسن تقدير لغويون «مستهلكون» يتبعون اتجاها لغويا هنا أوهناك، وهذا الاتباع يفتقد «التمثيل» في الأغلب، فضلا عن أنه يفتقد«المشاركة» الفاعلة.
وعلينا أن نعترف بأن نشاطنا اللغوي في العربية مريض، والعافية موجودة ظاهرة، لكننا نتنكب الطريق، ولست أريد أن أعرض للمجامع اللغوية، فهي للأسف لم تصنع شيئا حقيقيا.. واسألوا أي تلميذ، هل تعرف يابني في لغتك معجما معاصرا تستطيع أن تستعمله؟! بل اسألوا أي كاتب هل تعرف مثل هذا المعجم.
فإذاكان العالم العربي على اتساعه، وعلى إمكاناته الهائلة، ليست فيه معاجم عصرية للغته الأولى، فكيف نتحدث عما هو أبعد من ذلك؟!
محمود عبد الصمد الجيار- عدد المساهمات : 41
العمر : 34
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء مارس 22, 2016 11:40 pm من طرف أبو مصعب بربروس
» لتكن حياتك مرتبطة بذكر الله
الأحد مارس 20, 2016 10:39 am من طرف أ . حسام كيوان
» القيم المستنبطة من سورة الاسراء
الإثنين ديسمبر 08, 2014 6:23 pm من طرف mr.gevara
» ملخص مادة الأحوال الشخصية لجامعة القدس المفتوجة برنامج التنمية
الجمعة أكتوبر 10, 2014 7:36 pm من طرف احمد الزعتر
» رسالة الاساذ زياد خربوطلي
الخميس سبتمبر 25, 2014 12:08 am من طرف اسعد الفرا
» حقيقة الأسير وشروطه
الأحد مايو 25, 2014 9:07 pm من طرف طالب
» الحرية في الإسلام
الأحد مايو 25, 2014 9:07 pm من طرف طالب
» الحسبة بين النظرية والتطبيق
الأحد مايو 25, 2014 9:07 pm من طرف طالب
» الوسطية في الإسلام
الأحد مايو 25, 2014 9:05 pm من طرف طالب