عبده الراجحي: تعليم العربية.. من أين نبدأ؟ :: محمود عبد الصمد الجيار ::
صفحة 1 من اصل 1
عبده الراجحي: تعليم العربية.. من أين نبدأ؟ :: محمود عبد الصمد الجيار ::
بسم الله الرحمن الرحيم
تعليم العربية.. من أين نبدأ؟
[مجلة مجمع اللغة العربية، العدد 117، ألقيت هذه المحاضرة في الجلسة الخامسة من
جلسات مؤتمر المجمع في دورته الخامسة والسبعين، ظهر يومالثلاثاء: 11 من ربيع
الآخر سنة 1430 هـ، الموافق 7 من إبريل «نيسان» سنة 2009 م]
نحمد الله تعالى ونستعينه، ونستهديه، ونصلي ونسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد..
فيأتي هذا المؤتمر بعد تعديل قانون المجمع الأم بأن أصبح لقراراته قوة الإلزام، وقد كنا على مدى سنوات طويلة نطالب بذلك فأقر المجلس النيابي -بترحيب ومحبة وأمل- مطلبنا، فانتقلنا الآن من موقف المُطالِب إلى موقع المُطالَب، ووجبت المسؤولية وجوبا لا مشادة فيه.
والذي لا شك فيه أن تعليم العربية يقع في القلب من هذه المسؤولية، غير أن أخوف ما نخافه أن يكثر الكلام في هذا المؤتمر، وأن تتشعب بنا المناقشات في كل واد، وهذا أمر طبيعي، لأن «معضلة» تعليم العربية قد تأخر علاجها تأخرا يكاد يصل بها -مع كثرة ما قيل فيها- إلى حد الاستعصاء. ومن ثم فأرجو ألا يكون خروجا على الأعراف والتقاليد أن ندعو إلى البحث عن كيفية الوصول إلى قرارات محددة، موجزة، واضحة، نضعها أمام المجتمع، ونتعامل مع أصحاب المسؤولية في التنفيذ.
وأود أن أؤكد أن ثمة مبدأين يجب أن يكونا أصلين في كل ما نصدره الآن وفيما يقبل من الزمان:
الأول: أنه لا تنمية، ولا تقدم، ولا تحقيق للذات دون تعليم صحيح.
الثاني: أنه لا تعليم صحيح في بلادنا دون تعليم حقيقى للغة العربية.
وهذان المبدآن «كليان» Universal ينطبقان على البشر جميعا، لا يرتكنان إلى شيء من العاطفة أو الانتماء القومي والثقافي، بل يستندان إلى نتائج ودراسات علمية تؤكد أن «المعرفة» لا تكون إلا إذا«سكنت» لغة أصحابها.
غير أني أود أن أشير أيضا إلى أن «الأداء» العربي العام ليس في أسوإ حالاته كما يشيع بين الناس، بل قد يكون على مستوى من الجودة لم يكن واضحا في الماضي القريب، وذلك ما نراه من التزام معقول في الأداء الفصيح في عدد غير قليل من الفضائيات العربية، وفيما نراه من استمساك كثير من الأسر في مصر -لأسباب قديمة وحديثة- في إلحاق أبنائهم بمراكز تحفيظ القرآن الكريم مما نلحظ بعض ثماره في غير قطاع من المجتمع المصري.
ومع ذلك فإن المعضلة القائمة تؤكد أن «مخرجات التعليم» teaching outcomes أقل بكثير مما يبدو من الإنفاق البشري زمانا ومكانا...
أيها السادة:
نحن في حاجة إلى «تغيير» جوهري في التعليم وليس إلى «إصلاحه» على ما يتنادى به الناس، وهذا التغيير يستحيل أن يتحقق دون تغيير حقيقي في تعليم العربية، ولكي نكون «عمليين» كما يقال فإننا ينبغي أن نحدد«نقطة» محددة للبداية؛ فمن أين إذن تكون؟
لقد عرضت على لجنة «العربية والتعليم» في مجمعنا الموقر أن نقتصر في البدء على الصفوف الأولى للمرحلة الابتدائية، وقد يكون من الأنفع الآن نبدأ بالمرحلة الابتدائية كاملة، لأسباب موضعية كثيرة نجتزئ منها بما يلي:
1- جرى العرف في الأدبيات التربوية إلى تسمية هذه المرحلة «بالتعليم الأساسي» ومعها المرحلة الإعدادية أو المتوسطة، ومعنى ذلك أنها مرحلة «التأسيس» في التعليم، أي إنها المرحلة الأهم والأخطر في عملية التعليم بأكملها.
2- إن هذه المرحلة تنتهي حين يبلغ الطفل الثانية عشرة، وهي المرحلة التي يكاد الباحثون يتفقون أنها «المرحلة الحرجة»critical age . وهي التي يصعب إتقان اللغة إذا لم تكن قد«سكنت» في مراكزها في المخ في هذه السن.
3- إن الطفل في هذه المرحلة ينغمس انغماسا كبيرا في مجالات متنوعة من النشاط، ويتسع اتصاله بالعالم من حوله. وقد تجدر الإشارة إلى أن الطفل الآن يختلف في هذه المرحلة اختلافا جوهريا عن نظيره منذ عشرين سنة لما تمده به الحياة المعاصرة من أدوات للمعرفة والاتصال لم يسبق للبشرية عهد بها من قبل، ومن ثم فإن مقاربة هذا الطفل يجب أن تكون مختلفة، وهو ما لم نر له تحققا حتى الآن.
إذا اتفقنا على أن تكون «المرحلة الابتدائية» نقطة البداية -على أسسها العلمية- فإن السؤال المهم هو: كيف نبدأ؟
أيها السادة.. من معضلات الحياة العربية المعاصرة أننا حين نتصدى لقضية ما لا ندرسها درسا يشمل عناصرها في آن واحد، بل يغلب علينا بحث كل عنصر في صورة «منعزلة» وقد ظهر ذلك جليا في بحوث تعليم العربية مع أن تعليم اللغة عملية «مركبة» يستحيل التوصل إلى بعض أسرارها إلا في حال بحث العناصر المتداخلة بحثا واحدا على مستوى معين من الشمول؛ لأن معرفة «العلاقات» بين هذه العناصر أهم من معرفة خصائصها منفردة... وعلى ذلك نستطيع -ونحن نسعى إلى تغيير تعليم العربية- أن ندرس دراسة علمية صحيحة لعناصر المناهج، والمواد التعليمية، وإعداد المعلم، وتقنيات التعليم، وغيرها، في منهج متكامل يربط بينها؛ فذلك يقضي على التناول الفردي ويؤسس لما يعرف «بعمل الفريق» بإقرار كل تخصص أنه ليس الأهم أو الأوحد في قضية تعليم اللغة، بل هو عنصر واحد من عناصر شتى لا تؤتي ثمارها إلا باندماجها معا فيما يعرف الآن بالعمل «البينى» interdisciplinary ..
وقد نلفت كذلك -أيها السادة- إلى أمرين:
1- أن تعليم العربية جرى في العقود الخمسة الأخيرة -ولا يزال- على نماذج سابقة الصنع prefabricated لم تصدر -أصالة- عن معالجة موضوعية لخصائص «البيئة» التي تعيش فيها العربية، وكم عانى الناس ولا يزالون من الاستيراد الكامل لهذه «النماذج».
2- أن ثمة غيابا شبه كاملا «لوصف» علمي حقيقي للعربية يواكب الإيقاع العلمي لعصر الحاسوب.
أيها السادة.. قد يكون من نافلة القول أن نؤكد أن مناهج التعليم إنما هي تطبيق لمواقف «نظرية»، بعضها يناقض بعضها الآخر مناقضة كاملة في أسسها الفلسفية، وأن النظريات تبقى «تجريدات» ما لم تتحول إلى واقع فعلي يمارسه الناس ممارسة حقيقية.
وأن أفضل المناهج هي التي يستخلصها كل مجتمع بما يناسب خصائصه الثقافية والتاريخية.
ومع كل التجارب العالمية فإن الإجماع يكاد ينعقد على أن المنهج الاتصالي communicative هو الأفضل والأنفع في تعليم اللغة وتعلمها، وليس المقام هنا مقام تفصيل، لكننا نشير -فحسب- إلى أن الاتصال يعني «المواجهة الشخصية»، ومن ثم يفضي إلى أن يكتسب المجال «الوجداني» أهمية خاصة، بحيث يجعلنا نبني «علاقات»، لقد كانت الاتجاهات السابقة تمدنا أولا بالوسائل، ثم بالأهداف، ثم بالمادة التعليمية، ثم بالعلاقات الشخصية، وهو ما أنتج ما يعرف بالتعلم الدفاعي، أما الآن فنحن نبدأ بالعلاقات الشخصية، أي إننا ننحو منحى بشريا لأننا نعلم بشرا.
و«الاتصال» يعني استعمال لغة طبيعية واقعية وظيفية في قاعة الدرس، وهذا كله سوف يعلمنا كيف «نتعلم» لا أن يعلمنا مدرس من مكانه «الأعلى»؛ مدرس يقرر وحده ما ينبغي أن نتعلمه.
وعلى ذلك فإن سؤالاً لا يكف عن الإلحاح حين تعرض مشكلة تعليم العربية، ألا يجوز أن نمزج بين المنهج الاتصالي السائد، وبعض خصائصنا المركوزة فينا منذ زمن بعيد؟ وأعني بذلك أن نستثمر خاصية «الاستظهار» بقدر ما داخل المنهج المختار؟
نعم هناك تأكيد على أن المبالغة في النشاط الاستظهاري على حساب الاتصال الموقفي في الدروس اللغوية يمكن أن يخمد عملية التعليم، غير أن بعض الدراسات قد كشف مؤخرا أن الاستظهار ليس «شرا»كله، إنه يؤدي إلى الذاكرة الجيدة، وهي تعني تكوين ارتباطات متعددة لكل حقيقية نعني بالاحتفاظ بها، أي كيف ننسجها في علاقات نسقية، يقول أوزبل Ausubel عن الطبيعة الكلية للنسيان: «إن المواد التي تتعلم استظهاريا لا تتفاعل في البنية المعرفية بطريقة مادية؛ لأنها تتعلم في ضوء قوانين الاستدعاء، ومن ثم يتأثر استدعاؤها بالمؤثرات المتداخلة لمواد مشابهة.
(Ausubel, David A. 1968 – Education).
Pscycholog Cognitive view, New York, Rinehart & Winton- P. 108.
إنني أقصد هنا كيف نستثمر «حفظ القرآن الكريم» -بقدر ما- في هذه المرحلة توجيها متمايزا؟
أيها السادة.. من أين نبدأ.. وكيف نبدأ.. والآن متى نبدأ؟
لقد تلفت منا الوقت، غير أن «القضاء» مقبول إن شاء الله... والحق أن علينا -في هذا الأمر- «فرضا» واجبا ينبغي أن نؤديه لوقته الآن دون تأخير، لكني أشك شكا قويا في تحقق ذلك لأسبابه الموضوعية، إذ إنه يقتضي توافر شروط؛ أهمها إرادة سياسية قوية، قاصدة، عازمة، وتوافر موارد مالية وافية تسند تأسيس «ثقافة» علمية حقيقية في شأن تعليم العربية.
ولن نمل تكرار الاقتراح الذي عرضناه في غير مكان من العالم الإسلامي والعربي، وهو إنشاء «مجلس أعلى لتعليم العربية» يكون مستقلا عن الأجهزة الحكومية في موازنته وإدارته، يشبه «المركز البريطاني» British Council ، والأكاديمية الفرنسية Acadamie Francaise ومعهد جوته Goete Institut.
أيها السادة.. هل يجوز لنا أن نصل الآن إلى قرار محدد بأن نحدد نقطة البداية في «المرحلة الابتدائية» وأن تتوجه الجهود العلمية كلها إلى هذه المرحلة من أجل تعليم حقيقى للعربية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أ.د. عبده الراجحي
عضو المجمع
تعليم العربية.. من أين نبدأ؟
[مجلة مجمع اللغة العربية، العدد 117، ألقيت هذه المحاضرة في الجلسة الخامسة من
جلسات مؤتمر المجمع في دورته الخامسة والسبعين، ظهر يومالثلاثاء: 11 من ربيع
الآخر سنة 1430 هـ، الموافق 7 من إبريل «نيسان» سنة 2009 م]
نحمد الله تعالى ونستعينه، ونستهديه، ونصلي ونسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد..
فيأتي هذا المؤتمر بعد تعديل قانون المجمع الأم بأن أصبح لقراراته قوة الإلزام، وقد كنا على مدى سنوات طويلة نطالب بذلك فأقر المجلس النيابي -بترحيب ومحبة وأمل- مطلبنا، فانتقلنا الآن من موقف المُطالِب إلى موقع المُطالَب، ووجبت المسؤولية وجوبا لا مشادة فيه.
والذي لا شك فيه أن تعليم العربية يقع في القلب من هذه المسؤولية، غير أن أخوف ما نخافه أن يكثر الكلام في هذا المؤتمر، وأن تتشعب بنا المناقشات في كل واد، وهذا أمر طبيعي، لأن «معضلة» تعليم العربية قد تأخر علاجها تأخرا يكاد يصل بها -مع كثرة ما قيل فيها- إلى حد الاستعصاء. ومن ثم فأرجو ألا يكون خروجا على الأعراف والتقاليد أن ندعو إلى البحث عن كيفية الوصول إلى قرارات محددة، موجزة، واضحة، نضعها أمام المجتمع، ونتعامل مع أصحاب المسؤولية في التنفيذ.
وأود أن أؤكد أن ثمة مبدأين يجب أن يكونا أصلين في كل ما نصدره الآن وفيما يقبل من الزمان:
الأول: أنه لا تنمية، ولا تقدم، ولا تحقيق للذات دون تعليم صحيح.
الثاني: أنه لا تعليم صحيح في بلادنا دون تعليم حقيقى للغة العربية.
وهذان المبدآن «كليان» Universal ينطبقان على البشر جميعا، لا يرتكنان إلى شيء من العاطفة أو الانتماء القومي والثقافي، بل يستندان إلى نتائج ودراسات علمية تؤكد أن «المعرفة» لا تكون إلا إذا«سكنت» لغة أصحابها.
غير أني أود أن أشير أيضا إلى أن «الأداء» العربي العام ليس في أسوإ حالاته كما يشيع بين الناس، بل قد يكون على مستوى من الجودة لم يكن واضحا في الماضي القريب، وذلك ما نراه من التزام معقول في الأداء الفصيح في عدد غير قليل من الفضائيات العربية، وفيما نراه من استمساك كثير من الأسر في مصر -لأسباب قديمة وحديثة- في إلحاق أبنائهم بمراكز تحفيظ القرآن الكريم مما نلحظ بعض ثماره في غير قطاع من المجتمع المصري.
ومع ذلك فإن المعضلة القائمة تؤكد أن «مخرجات التعليم» teaching outcomes أقل بكثير مما يبدو من الإنفاق البشري زمانا ومكانا...
أيها السادة:
نحن في حاجة إلى «تغيير» جوهري في التعليم وليس إلى «إصلاحه» على ما يتنادى به الناس، وهذا التغيير يستحيل أن يتحقق دون تغيير حقيقي في تعليم العربية، ولكي نكون «عمليين» كما يقال فإننا ينبغي أن نحدد«نقطة» محددة للبداية؛ فمن أين إذن تكون؟
لقد عرضت على لجنة «العربية والتعليم» في مجمعنا الموقر أن نقتصر في البدء على الصفوف الأولى للمرحلة الابتدائية، وقد يكون من الأنفع الآن نبدأ بالمرحلة الابتدائية كاملة، لأسباب موضعية كثيرة نجتزئ منها بما يلي:
1- جرى العرف في الأدبيات التربوية إلى تسمية هذه المرحلة «بالتعليم الأساسي» ومعها المرحلة الإعدادية أو المتوسطة، ومعنى ذلك أنها مرحلة «التأسيس» في التعليم، أي إنها المرحلة الأهم والأخطر في عملية التعليم بأكملها.
2- إن هذه المرحلة تنتهي حين يبلغ الطفل الثانية عشرة، وهي المرحلة التي يكاد الباحثون يتفقون أنها «المرحلة الحرجة»critical age . وهي التي يصعب إتقان اللغة إذا لم تكن قد«سكنت» في مراكزها في المخ في هذه السن.
3- إن الطفل في هذه المرحلة ينغمس انغماسا كبيرا في مجالات متنوعة من النشاط، ويتسع اتصاله بالعالم من حوله. وقد تجدر الإشارة إلى أن الطفل الآن يختلف في هذه المرحلة اختلافا جوهريا عن نظيره منذ عشرين سنة لما تمده به الحياة المعاصرة من أدوات للمعرفة والاتصال لم يسبق للبشرية عهد بها من قبل، ومن ثم فإن مقاربة هذا الطفل يجب أن تكون مختلفة، وهو ما لم نر له تحققا حتى الآن.
إذا اتفقنا على أن تكون «المرحلة الابتدائية» نقطة البداية -على أسسها العلمية- فإن السؤال المهم هو: كيف نبدأ؟
أيها السادة.. من معضلات الحياة العربية المعاصرة أننا حين نتصدى لقضية ما لا ندرسها درسا يشمل عناصرها في آن واحد، بل يغلب علينا بحث كل عنصر في صورة «منعزلة» وقد ظهر ذلك جليا في بحوث تعليم العربية مع أن تعليم اللغة عملية «مركبة» يستحيل التوصل إلى بعض أسرارها إلا في حال بحث العناصر المتداخلة بحثا واحدا على مستوى معين من الشمول؛ لأن معرفة «العلاقات» بين هذه العناصر أهم من معرفة خصائصها منفردة... وعلى ذلك نستطيع -ونحن نسعى إلى تغيير تعليم العربية- أن ندرس دراسة علمية صحيحة لعناصر المناهج، والمواد التعليمية، وإعداد المعلم، وتقنيات التعليم، وغيرها، في منهج متكامل يربط بينها؛ فذلك يقضي على التناول الفردي ويؤسس لما يعرف «بعمل الفريق» بإقرار كل تخصص أنه ليس الأهم أو الأوحد في قضية تعليم اللغة، بل هو عنصر واحد من عناصر شتى لا تؤتي ثمارها إلا باندماجها معا فيما يعرف الآن بالعمل «البينى» interdisciplinary ..
وقد نلفت كذلك -أيها السادة- إلى أمرين:
1- أن تعليم العربية جرى في العقود الخمسة الأخيرة -ولا يزال- على نماذج سابقة الصنع prefabricated لم تصدر -أصالة- عن معالجة موضوعية لخصائص «البيئة» التي تعيش فيها العربية، وكم عانى الناس ولا يزالون من الاستيراد الكامل لهذه «النماذج».
2- أن ثمة غيابا شبه كاملا «لوصف» علمي حقيقي للعربية يواكب الإيقاع العلمي لعصر الحاسوب.
أيها السادة.. قد يكون من نافلة القول أن نؤكد أن مناهج التعليم إنما هي تطبيق لمواقف «نظرية»، بعضها يناقض بعضها الآخر مناقضة كاملة في أسسها الفلسفية، وأن النظريات تبقى «تجريدات» ما لم تتحول إلى واقع فعلي يمارسه الناس ممارسة حقيقية.
وأن أفضل المناهج هي التي يستخلصها كل مجتمع بما يناسب خصائصه الثقافية والتاريخية.
ومع كل التجارب العالمية فإن الإجماع يكاد ينعقد على أن المنهج الاتصالي communicative هو الأفضل والأنفع في تعليم اللغة وتعلمها، وليس المقام هنا مقام تفصيل، لكننا نشير -فحسب- إلى أن الاتصال يعني «المواجهة الشخصية»، ومن ثم يفضي إلى أن يكتسب المجال «الوجداني» أهمية خاصة، بحيث يجعلنا نبني «علاقات»، لقد كانت الاتجاهات السابقة تمدنا أولا بالوسائل، ثم بالأهداف، ثم بالمادة التعليمية، ثم بالعلاقات الشخصية، وهو ما أنتج ما يعرف بالتعلم الدفاعي، أما الآن فنحن نبدأ بالعلاقات الشخصية، أي إننا ننحو منحى بشريا لأننا نعلم بشرا.
و«الاتصال» يعني استعمال لغة طبيعية واقعية وظيفية في قاعة الدرس، وهذا كله سوف يعلمنا كيف «نتعلم» لا أن يعلمنا مدرس من مكانه «الأعلى»؛ مدرس يقرر وحده ما ينبغي أن نتعلمه.
وعلى ذلك فإن سؤالاً لا يكف عن الإلحاح حين تعرض مشكلة تعليم العربية، ألا يجوز أن نمزج بين المنهج الاتصالي السائد، وبعض خصائصنا المركوزة فينا منذ زمن بعيد؟ وأعني بذلك أن نستثمر خاصية «الاستظهار» بقدر ما داخل المنهج المختار؟
نعم هناك تأكيد على أن المبالغة في النشاط الاستظهاري على حساب الاتصال الموقفي في الدروس اللغوية يمكن أن يخمد عملية التعليم، غير أن بعض الدراسات قد كشف مؤخرا أن الاستظهار ليس «شرا»كله، إنه يؤدي إلى الذاكرة الجيدة، وهي تعني تكوين ارتباطات متعددة لكل حقيقية نعني بالاحتفاظ بها، أي كيف ننسجها في علاقات نسقية، يقول أوزبل Ausubel عن الطبيعة الكلية للنسيان: «إن المواد التي تتعلم استظهاريا لا تتفاعل في البنية المعرفية بطريقة مادية؛ لأنها تتعلم في ضوء قوانين الاستدعاء، ومن ثم يتأثر استدعاؤها بالمؤثرات المتداخلة لمواد مشابهة.
(Ausubel, David A. 1968 – Education).
Pscycholog Cognitive view, New York, Rinehart & Winton- P. 108.
إنني أقصد هنا كيف نستثمر «حفظ القرآن الكريم» -بقدر ما- في هذه المرحلة توجيها متمايزا؟
أيها السادة.. من أين نبدأ.. وكيف نبدأ.. والآن متى نبدأ؟
لقد تلفت منا الوقت، غير أن «القضاء» مقبول إن شاء الله... والحق أن علينا -في هذا الأمر- «فرضا» واجبا ينبغي أن نؤديه لوقته الآن دون تأخير، لكني أشك شكا قويا في تحقق ذلك لأسبابه الموضوعية، إذ إنه يقتضي توافر شروط؛ أهمها إرادة سياسية قوية، قاصدة، عازمة، وتوافر موارد مالية وافية تسند تأسيس «ثقافة» علمية حقيقية في شأن تعليم العربية.
ولن نمل تكرار الاقتراح الذي عرضناه في غير مكان من العالم الإسلامي والعربي، وهو إنشاء «مجلس أعلى لتعليم العربية» يكون مستقلا عن الأجهزة الحكومية في موازنته وإدارته، يشبه «المركز البريطاني» British Council ، والأكاديمية الفرنسية Acadamie Francaise ومعهد جوته Goete Institut.
أيها السادة.. هل يجوز لنا أن نصل الآن إلى قرار محدد بأن نحدد نقطة البداية في «المرحلة الابتدائية» وأن تتوجه الجهود العلمية كلها إلى هذه المرحلة من أجل تعليم حقيقى للعربية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أ.د. عبده الراجحي
عضو المجمع
محمود عبد الصمد الجيار- عدد المساهمات : 41
العمر : 34
مواضيع مماثلة
» عبده الراجحي: تعليم العربية.. إلى أين؟ (( محمود عبد الصمد الجيار ))
» محمود عبد الصمد الجيار: الرموز المختزلة في الكتابة العربية
» مع اللغة العربية.. وعالم من علمائها ::محمود عبد الصمد الجيار::
» محمود عبد الصمد الجيار: الرموز المختزلة في الكتابة العربية
» مع اللغة العربية.. وعالم من علمائها ::محمود عبد الصمد الجيار::
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء مارس 22, 2016 11:40 pm من طرف أبو مصعب بربروس
» لتكن حياتك مرتبطة بذكر الله
الأحد مارس 20, 2016 10:39 am من طرف أ . حسام كيوان
» القيم المستنبطة من سورة الاسراء
الإثنين ديسمبر 08, 2014 6:23 pm من طرف mr.gevara
» ملخص مادة الأحوال الشخصية لجامعة القدس المفتوجة برنامج التنمية
الجمعة أكتوبر 10, 2014 7:36 pm من طرف احمد الزعتر
» رسالة الاساذ زياد خربوطلي
الخميس سبتمبر 25, 2014 12:08 am من طرف اسعد الفرا
» حقيقة الأسير وشروطه
الأحد مايو 25, 2014 9:07 pm من طرف طالب
» الحرية في الإسلام
الأحد مايو 25, 2014 9:07 pm من طرف طالب
» الحسبة بين النظرية والتطبيق
الأحد مايو 25, 2014 9:07 pm من طرف طالب
» الوسطية في الإسلام
الأحد مايو 25, 2014 9:05 pm من طرف طالب