منتدى الفقه الإسلامي وأصوله
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أسماء عبد الكريم خليفة: رسالة (فضل شهر رمضان) للدكتورة أسماء عبد الكريم خليفة

اذهب الى الأسفل

أسماء عبد الكريم خليفة: رسالة (فضل شهر رمضان) للدكتورة أسماء عبد الكريم خليفة Empty أسماء عبد الكريم خليفة: رسالة (فضل شهر رمضان) للدكتورة أسماء عبد الكريم خليفة

مُساهمة من طرف محمود عبد الصمد الجيار الثلاثاء سبتمبر 10, 2013 12:37 pm

بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة
(فضل شهر رمضان)
للدكتورة أسماء عبد الكريم خليفة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد أفضل من صلى وصام، وأتقى من تهجد وقام، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الكرام، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
فقد كان النبي صلى الله عليه السلام إذا أقبل "شهر رمضان" بشر به المسلمين وهنأهم، وبين لهم فضائله وخصائصه، ويدعوهم إلى التسابق لفعل الخير. قال سلمان الفارسي رضي الله عنه: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان فقال: "أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، شهر جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعاً، من تقرّب فيه بخصلة من خصال الخير، كان كمن أدى فيه فريضة، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة، وشهر يزاد في رزق المؤمن فيه، من فطّر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه، وعتق رقبته من النار، وكان له من الأجر مثل أجورهم، من غير أن ينتقص من أجره شيء" قالوا: يا رسول الله، ليس كل منا يجد ما يفطر الصائم ؟ قال: يعطي الله هذا الثواب من فطّر صائماً على تمرة، أو شربة ماء، أو مذقة لبن، وهو شهر أوّله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، من خفف فيه عن مملوكه غفر الله له، وأعتقه من النار، ومن سقى فيه صائماً شربة سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ بعدها حتى يدخل الجنة؛ فاستكثروا فيه من أربع خصال، خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غناء بكم عنهما؛ فأما اللتان ترضون بهما ربكم: فشهادة أن لا إله إلا الله، وتستغفرونه، وأما الخصلتان اللتان لا غناء بكم عنهما: فتسألون الله الجنة، وتستعيذون به من النار" (رواه ابن خزيمة وصححه ورواه البيهقي).
هذه رسالة مختصرة في (فضل شهر رمضان) بينت فيها: الاشتقاق اللغوي لكلمة (رمضان)، وعقبت ذلك ببعض من فضائل هذا الشهر الكريم، بالأدلة من الكتاب والسنة، ثم ذكرت بعض أحداث جليلة وقعت في هذا الشهر المبارك...
والله نسأل أن يجعل هذا العمل المتواضع مباركا خالصا لوجهه الكريم، وأن ينفعنا به، وأن ينفع به؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
تعريف شهر رمضـــــــــــان:
شهر رمضان المبارك هو الشهر التاسع من شهور السنة وفق التقويم الهجري، وهو من الأشهر العربية التي تعرف بالقمرية أوالهلالية، وهو شهر الصيام، وهو شهر نزول القرآن، وورد ذكره مراة واحدة في قوله تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرءان هدى للناس وبينت من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه) [البقرة 2/185].

واختلف العلماء في اشتقاق اسم "رمضان" على وجوه:
الأول- أنه مأخوذ من "الرمض" وهو حرّ الحجارة من شدة حر الشمس؛ ذلك أنهم لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي فيها، فوافق "رمضان" أيام "رمض" الحر وشدته فسمي به، والاسم الرمضاء؛ فسمي هذا الشهر بهذا الاسم إما لارتماضهم في هذا الشهر من حر الجوع أومقاساة شدته.
الثاني- أنه من الرمْضاء، بسكون الميم، وهو مطر يأتي قبل الخريف يطهر وجه الأرض من الغبار. والمعنى فيه أنه كما يغسل ذلك المطر وجه الأرض ويطهرها.. فكذلك شهر رمضان يغسل أبدان هذه الأمة من الذنوب، ويطهر قلوبهم.
ثانيا فضائل شهر رمضان:
يختص شهر رمضان عن غيره من الشهور بجملة من الأحكام والفضائل؛ منها:
• أنزل فيه القرآن قال تعالى: "شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ" (158البقرة).
• مدح الله سبحانه وتعالى هذا الشهر من بين سائر الشهور لإنزال القرآن الكريم فيه، قال تعالى:"إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ".
• أنزلت الكتب السماوية في شهر رمضان، لما روي من حديث واثلة بن الأسقع: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان". (رواه الإمام أحمد ).
• شهر تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب النار، وتصفد فيه الشياطين، وتكثر فيه الأعمال الصالحة، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وسلسلت الشياطين. (رواه مسلم والترمذي و ابن ماجه).
ويقول عليه الصلاة والسلام: "جاءكم شهر رمضان شهر بركة يغشاكم الله فيه فينزل الرحمة ويحط الخطايا ويستجيب الدعاء ينظر الله إلى تنافسكم فيه فيباهي بكم ملائكته فأروا الله من أنفسكم خيراً فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله" (مجموع فتاوى الشيخ عبدالعزيز بن باز).
• أن فيه ليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر، ومن فضل الله تعالى أن جعل ليلة القدر إحدى ليالي العشر الآواخر فقد قالت السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول: "تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الآواخر من رمضان"، وهي ليلة عظيمة، وفرصة جليلة، العبادة فيها خير من عبادة ألف شهر يقول تعالى: "إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ." (سورة القدر 1-5).
وعن أنس رضي الله عنه قال: دخل رمضان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حرمها فقد حرم الخير كله، ولا يحرم خيرها إلا محروم" (قال الألباني إسناده حسن رجاله ثقاة، الأحاديث الصحيحة للألباني).
وقد جاء في الحديث أن عائشة رضي الله عنها قالت: "يا رسول الله إن وافقت ليلة القدر ما أقول؟ قال: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني" (رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني).
وعن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان متحريا فليتحرها ليلة سبع وعشرين أو قال تحروها ليلة سبع وعشرين يعني ليلة القدر" (سنن البيهقي).
وقد أبهم الله هذه الليلة على هذه الأمة ليجتهدوا بالعبادة في ليالي رمضان طمعا في إدراكها، كما أخفى ساعة الإجابة يوم الجمعة واسمه الأعظم في الأسماء وقيام الساعة ليجتهد الناس في الطاعات ويبتعدوا عن المعاصي.
• أنه شهر إجابة الدعاء، وخاصة دعاء الصائم عند الإفطار، فقد ذكر الله سبحانه وتعالى في أثناء آيات الصيام: "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (البقرة 186).
يقول صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لاترد دعوتهم: الصائم حين يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم، يرفعها الله فوق الغمام، ويفتح لها أبواب السماء ويقول الله تعالى: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين " (الألباني، السلسلة الصحيحة).
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن للصائم عند فطره لدعوة لاترد" (رواه أحمد وابن ماجة).
• أن شهر رمضان شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وهو ثلاثة أنواع: صبر على طاعة الله، وصبر عن محارم الله، والصبر على أقدار الله المؤلمة، وتجتمع أنواع الصبر هذه كلها في الصيام، فإن فيه صبرا على طاعة الله تعالى، وصبرا عما حرم الله على الصائم من الشهوات، وصبرا على مايحصل للصائم من الجوع والعطش وضعف النفس والبدن؛ والصيام صبر، وقد قال تعالى: "إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ" (سورة الزمر الآية 10).
وإذا أراد المسلم أن يستجاب لدعائه فليسلك الطرق الموصلة إلى الاستجابة، وليعمل الأسباب وليجتنب الموانع.
• أن الله تعالى اختصه بفريضة الصيام الذي هو من أفضل الأعمال وأجلها فهو سبب لمغفرة الذنوب والآثام قال صلى الله عليه وسلم : "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر" (رواه مسلم والبخاري) بمعنى أن ينوي بصيامه وجه الله ويحتسب الثواب لله. يقول شيخُنا ابن عثيمين رحمه الله شارحا هذه الجملة من الحديث: "اختصَّ لنفسه الصوم من بين سائرِ الأعمال، وذلك: لِشرفِهِ عنده، ومحبَّتهِ له، وظهور الإِخلاصِ له سبحانه فيه، لأنه سِرٌّ بَيْن العبدِ وربِّه لا يطَّلعُ عليه إلاّ الله. فإِن الصائمَ يكون في الموضِعِ الخالي من الناس مُتمكِّناً منْ تناوُلِ ما حرَّم الله عليه بالصيام، فلا يتناولُهُ؛ لأنه يعلم أن له ربًّا يطَّلع عليه في خلوتِه، وقد حرَّم عَلَيْه ذلك، فيترُكُه لله خوفاً من عقابه، ورغبةً في ثوابه، فمن أجل ذلك شكر اللهُ له هذا الإِخلاصَ، واختصَّ صيامَه لنفْسِه من بين سَائِرِ أعمالِهِ ولهذا قال: "يَدعُ شهوتَه وطعامَه من أجْلي".
• مضاعفة ثواب الأعمال الصالحة في رمضان، فتكون الأعمال مضاعفة أضعافا كثيرة، فلما كان الصيام في نفسه مضاعفًا أجره بالنسبة إلى سائر الأعمال، كان صيام شهر رمضان مضاعفًا على سائر الصيام؛ لشرف زمانه فإن العمل يشرف ويزداد ثوابه لشرف الزمان أو المكان وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم "أجود مايكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن فكان أجود بالخير من الريح المرسلة" يقول صلى الله عليه وسلم: "من فطر صائما فله مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء " (رواه ابن خزيمة ).
و في الحديث القدسي: "كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به" (رواه البخاري) معناه: أن الأعمال كلها تضاعف بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلا الصيام فإنه لا ينحصر تضعيفه في هذا العدد، بل يضاعفه الله عز وجل أضعافا كثيرة، بغير حصر عدد.
يقول العلامة ابن عثيمين رحمه الله في قوله: (وأَنَا أجْزي به): (فأضافَ الجزاءَ إلى نفسه الكريمةِ؛ لأنَّ الأعمالَ الصالحةَ يضاعفُ أجرها بالْعَدد، الحسنةُ بعَشْرِ أمثالها إلى سَبْعِمائة ضعفٍ إلى أضعاف كثيرةٍ، أمَّا الصَّوم فإِنَّ اللهَ أضافَ الجزاءَ عليه إلى نفسه من غير اعتبَار عَددٍ وهُوَ سبحانه أكرَمُ الأكرمين وأجوَدُ الأجودين، والعطيَّةُ بقدر مُعْطيها. فيكُونُ أجرُ الصائمِ عظيمًا كثيرًا بِلا حساب.
• الصدقة في رمضان، لما صح عنه صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصدقة في رمضان" (رواه البخاري وابن خزيمه في صحيحه). فهذا يبين لنا مدى فضل هذا الشهر الكريم وكيف يتقبل فيه الله عز وجل الطاعات وجاء عنه صلى الله عليه وسلم: "من فطر صائما كان له مثل أجره دون أن ينقص من أجر الصائم شيئا" (رواه الألباني في صحيحه). وكل ماينفقه العبد في أكله وشربه وملبسه زائل إلا ماينفقه ابتغاء وجه الله، قال تعالى: "إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم". والصدقة تطفئ الخطايا التي هي حرارة في القلوب واشتعال في النفوس ولايطفئ هذه الحرارة والاشتعال إلا الصدقة قال صلى الله عليه وسلم: "الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار" (صحيح ابن حبان ). ولأن الصدقة في رمضان إعانة على أداء فريضة الصوم وفي أوقات الحاجات أفضل منها في غيرها لقوله تعالى: "أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ" (سورة البلد الأيه 14). والصدقة على ذي الرحم أفضل منها على غيرها، أما الدليل على أفضليتها في القرابة فقوله صلى الله عليه وسلم: "الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم ثنتان صدقة وصلة، ثم الصدقة على الجار. لقوله صلى الله عليه وسلم: مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه".
وصدقة السر أفضل لقوله تعالى: "إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ" (سورة البقرة 271).
• أنه شهر الذكر والشكر؛ لأن الله تعالى ذكره في أثناء الكلام عن أحكام الصيام، قال تعالى: "وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" (البقرة 185).
شهر رمضان أعظم الأوقات التي تغفر فيها الذنوب ومن لم يغفر له في رمضان فقد رغم أنفه لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "لما بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر جعل له ثلاث عتبات فلما صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم العتبة الأولى قال آمين، ثم صعد العتبة الثانية فقال آمين، حتى إذا صعد العتبة الثالثة فقال آمين، فقال المسلمون: رأيناك يارسول الله تقول: "آمين، آمين، آمين" ولا نرى أحدا فقال صلى الله عليه وسلم: إن جبريل -عليه السلام- صعد قبلي العتبة الأولى فقال: يامحمد، فقلت: لبيك وسعديك فقال: من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له فدخل النار، فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين، ومن أدرك أبويه، أوأحدهما، فلم يبرهما، فمات، فدخل النار، فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين، ومن ذكرتَ عنده، فلم يصلِّ عليكَ، فمات، فدخل النار، فأبعد الله، قل: آمين، فقلت: آمين" (الألباني في صحيحه).
• رمضان شهر البر وصلة الأرحام ومن أعظم الصلات بر الوالدين والحنو عليهما وإكرامهما والدعاء لهما، فالصيام أعظم مدرسة للبر والصلة فهو حبل المودة وصلة الرحم من أكبر الأعمال الصالحة فهي تقي مصارع السوء وخزي الدنيا والآخرة؛ فرمضان شهر الرحمة، والرحمة فضل من الله عز وجل يضعه في قلب من يشاء والله رحمن رحيم يحب الرحماء؛ إنما يرحم الله من عباده الرحماء، وقد يفقد الإنسان الرحمة لكثرة الذنوب والمعاصي، قال تعالى على لسان بني إسرائيل: "ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ". (سورة البقرة 74).
الرحمة مطلوبة من المسلم لأخيه المسلم ومن الأستاذ لتلاميذه قال تعالى: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ" (آل عمران 159) ومن الإمام بالمأمومين فلا يشق عليهم ولا يدخل الضرر عليهم، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أمَّ منكم بالناس فليخفف فإن فيهم الكبير والمريض والصغير وذا الحاجة" ( راوه البخاري).
• رمضان هو موسم التوبة والمغفرة، وشهر السماح والعفو؛ فإن من أفضل مايعود على المسلم توبته وإنابته إلى ربه ومحاسبته لنفسه، والتوبة هي الرجوع من معصية الله إلى طاعته، لأنه سبحانه هو المعبود حقا، وحقيقة العبودية: هي التذلل والخضوع للمعبود محبة وتعظيما، والتوية واجبة من الفور لايجوز تأخيرها أو التسويف بها، قال تعالى: "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" (الزمر 53) وماجاء عنه صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبسط يده باليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس عن مغربها." (رواه مسلم) فكل ذنوب العام تمحى في رمضان إذا اجتنبت الكبائر.
و عن أبي هريرة رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة " (رواه البخاري).
• رمضان شهر الاعتكاف ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم" كان يعتكف العشر الآواخر من رمضان حتى توفاه الله" (رواه مسلم) وعنها أيضا قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله" (رواه البخاري) وإنما كان صلى الله عليه وسلم يعتكف في هذه العشر التي فيها ليلة القدر قطعا لأشغاله وتخليا لمناجاة ربه وذكره ودعائه، والاعتكاف يكون في المساجد، وخصوصا في شهر رمضان وفي العشر الآواخر منه، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله، فالمعتكف يحبس نفسه على طاعة الله ويعكف بقلبه على ربه.
ويجوز للمرأة أن تعتكف مع زوجها أو وحدها؛ لقول عائشة رضي الله عنها: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده" (رواه البخاري).
قال الشيخ ناصر الدين الألباني - رحمه الله -: "وفيه دليل على جواز اعتكاف النساء، ولا شك أن ذلك مقيد بإذن أوليائهن لذلك، ومن أمن الفتنة والخلوة مع الرجال للأدلة الكثيرة في ذلك.
والقاعدة الفقهية: درء المفاسد مُقدم على جلب المنافع.
• رمضان شهر القرآن، فقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضون وقتهم في قراءة القرآن أفضل الذكر، فينبغي للصائم إذا صام أن يداوم على قراءة القرآن فقد كان الصحابة يحافظون على تلاوة القرآن في شهر رمضان وفي الصلاة وغيرها، وقد كان قتادة يختم في كل سبع دائما وفي رمضان في كل ثلاث وفي العشر الآواخر كل ليلة، وكان للشافعي في رمضان ستون ختمة، فهذا هو حال الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم؛ فمن أعظم ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى من النوافل كثرة تلاوة القرآن واستماعه بتفكر وتدبر، قال خباب بن الأرت رضي الله تعالى عنه لرجل: تقرب إلى الله تعالى مااستطعت واعلم أنك لن تتقرب إليه بشيء هو أحب إليه من كلامه.
وقد ورد في فضل القرآن ما تقر به النفوس وتهنأ به القلوب فعن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها، ولا أقول ألم حرف ولكن أقول ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف" (رواه الترمذي وصححه الألباني)، وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب" (رواه الترمذي).
وعن أبي موس الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لايقرأ القرآن كمثل التمرة طعمها حلو ولا ريح لها، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر" (رواه البخاري).
وعن عبدالله بن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها " (رواه أبو داوود ).
وأخرج مسلم عن أبي أمامة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه" (رواه مسلم).
وقد كانت بيوت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة في رمضان يسمع فيها دوي كدوي النحل، وكانوا يرتلون القرآن الكريم ترتيلا يقفون عند عجائبه ويبكون من عظاته ويفرحون ببشارته.
• في شهر رمضان يزداد الإيمان، ويعظم اليقين، ويشرق التوحيد لقرب العبد من ربه تبارك وتعالى؛ فالإيمان يزداد وينقص بحسب الأعمال، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، يزيد بالصلاة وينقص بالفساد، يزيد بالاستقامة وينقص بالانحراف، قال تعالى: "لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ " (الفتح 4).
• شهر رمضان يزيد من محبة الله تعالى؛ فالامتثال لأمر الله عز وجل بصيام هذا الشهر المبارك يزيد من محبة الله في قلب الصائم وأولياء الله عز وجل يحبون ربهم حبا عظيما قال تعالى: "يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ " (المائدة 54).
• شهر رمضان مدرسة لتنظيم وقت المسلم، واستثمار هذا الوقت فيما يقرب من الله عزوجل، ومن أعظم ما ينظم الوقت ويرتب العمل الصلوات الخمس، قال تعالى :" إنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا" (النساء 103) فبعد صلاة الفجر زمن الحفظ، والتلاوة، والذكر، والتأمل، ومن ارتفاع الشمس إلى الظهر هو: وقت العمل، والكسب، وطلب العلم، والسعي في الأرض... وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ". فكثير من الناس صحيح معافى وعمره يمر أمامه لايستفيد منه ولا يستثمره، قال عليه الصلاة والسلام: "لاتزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع... وذكر عمره فيما أبلاه" (رواه الترمذي وصححه الألباني).
• رمضان شهر المحبة والتآخي بين المسلمين؛ وصَف الرسول صلى الله عليه المسلمين بأنهم كالجسد الواحد ولم يجمع شتاتهم إلا الإسلام، قال تعالى: "وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" (سورة الأنفال 63).
المسلمون يتمايزون بالتقوى، وتجمعهم مظلة (لا إله لا الله محمد رسول الله) قال تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" (سورة الحجرات 13).
فالإسلام دين للعالم كله؛ أبو بكر الصديق رضي الله عنه قرشي، وبلال حبشي، وصهيب رومي، وسلمان فارسي، وصلاح الدين كردي... وهؤلاء جميعا تجمعهم كلمة التوحيد، وفي شهر رمضان تظهر هذه الوحدة العظيمة؛ فشهر واحد، وصيامنا واحد، وقِبلتنا واحدة، وحجنا واحد، وفي زمن واحد... والله عزوجل يدعونا للاعتصام بحبله، ونبذ الفرقة قال تعالى: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا" (سورة آل عمران 103).
وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله أوحى إليَّ أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد ولا يفخر أحد على أحد") رواه مسلم). ومن لوازم هذه الأخوة أن تسال عن حال أخيك المسلم وتلقي عليه السلام وتبتسم في وجهه وسد حاجته والوقوف إلى جانبه، وعيادة المريض والدعاء له.
• رمضان شهر العلم والقلم فقد افتتح الوحي في شهر رمضان بطلب القراءة، قال تعالى: "هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ" (سورة الجمعة 2).
وجاءت قصة نزول جبريل عليه السلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالوحي وطلب القراءة، وهكذا نزل الوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم بالأمر بالقراءة ثم القلم، وهذا كان في رمضان، فقد كان شهر رمضان شهر مدارسة القرآن بين جبريل عليه السلام و النبي صلى الله عليه وسلم؛ يراجعه معه، وفي العام الذي توفي فيه الرسول صلى الله عليه وسلم راجعه معه مرتين.
وهكذا نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم: قد أُمِر بالقراءة في رمضان، فيقرأ وهو أمي لم يسبق له قراءة، وقد كان عليه الصلاة والسلام يحث على القراءة والكتابة ويحرص عليها ويقدمها على حاجاته الأخرى من المال والسلاح.
• رمضان شهر الجهاد، فالجهاد في رمضان أعظم أجرا، فكما أن شهر رمضان أفضل الشهور فكذلك الجهاد في سبيل الله في رمضان أكثر فضلا قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ" (سورة الصف 10).
ولم يكن شهر رمضان في عهد رسول صلى الله عليه وسلم شهر راحة بل كان شهرا لاستقبال الوفود شهرا للجهاد والفتوحات الكثيرة، ففيه غزوة بدر وفتح مكة.
• شهر رمضان شهر الانتصار على أعداء الإسلام في بدر مع قلة عدد المسلمين وعدتهم وكان ذلك في السنة الثانية من الهجرة قال تعالى: "وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" (آل عمران 123).
وكذلك نصر الله المؤمنين في غزوة الفتح في شهر رمضان في السنة الثامنة من الهجرة.
• شهر رمضان وزكاة الفطر؛ لقد شرع الله في ختام هذا الشهر زكاة الفطر قبل صلاة العيد، طهرة للصائم من اللغو والإثم، وإظهارا لشكر نعمة الله بإتمام صيام شهر رمضان وقيامه وفعل ما تيسر من الأعمال الصالحة فيه، وإحسانا إلى الفقراء، وكفا لهم عن السؤال في أيام العيد، قال صلى الله عليه وسلم: "أغنوهم بها عن السؤال في ذلك اليوم" (سنن الدارقطني).
وقال الله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى" (الأعلى 14-15).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر على الحر والعبد والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة) متفق عليه.
• رمضانَ شهرُ العِفَّة، وشهرُ شرفِ النفس وزكائها؛ فالصائم يدع طعامَه، وشرابَه، وشهوتَه لله -عز وجل- ويداومُ على هذا الصنيع شهرًا كاملًا؛ فيحصل له بذلك حبسُ النفس عن شهواتها، لتستعدَّ لطلب ما فيه سعادتُها، ونعيمُها، وقبولُ ما تزكو به في حياتِها الأبدية؛ فالصيامُ لجامُ المتقين، وجُنَّةُ المحاربين، ورياضة الأبرار والمقربين. وما أشدَّ حاجةَ النفوس إلى أن تروَّض على خلق العفة، ومِنَ العِفَّة ألا يكون الإنسان عبدًا لشهواته، مسترسلًا مع كافة رغباته.
ولا يأتي من وراء الشهوات إلا إذلالُ النفس، وموتُ الشرف، والضعة والتسفّل.
فالصيام يدرب الصائم على أن يمتنع با ختياره عن شهواته؛ فَيصِل بذلك إلى حالةٍ نفسية بالغةِ السُّمُو، ويروِّض نفسه رياضةً عمليةً على معالي الأمور، ومكارم الأخلاق. والله سبحانه وتعالى جعل مع الفضيلة ثوابَها من الصحة، والنشاط، وجعل مع الرذيلة عقابَها من المرض، والحِطَّة، وسوء السمعة.
• رمضان شهر العزة كما هو معلوم بأن الإسلام دين العزة والكرامة فشهرُ رمضانَ ميدانٌ فسيحٌ لاكتساب العزَّة، والتحلي بها، وذلك من وجوه عديدةٍ متنوعة؛ و المؤمن الصائم ينال العزَّة في هذا الشهر من جراء صيامه، وكثرة أعماله الصالحة، وانقطاعه عما سوى الله، وهذا هو سر العزة الأعظم؛ إذ ينال بسبب ذلك عزةَ نفسٍ، وزيادةَ إيمان وقربًا من الرحمن قال تعالى: "وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ" (المنافقون الآية 8).
وينال المؤمنون العزَّة في هذا الشهر بسبب كثرة إنفاقهم، وإحسانهم إلى الفقراء والمعوزين.
وفي ذلك صيانةٌ للوجوه من السؤال، وإنقاذٌ لكثير من الناس من عوز الفقر، وذِلَّة الحاجة اللذَين قد يَنجرِفان بهم إلى فساد الأخلاق، وضيعة الآداب.
وهكذا يتبيَّن لنا أثرُ الصيام في اكتساب العزة، سواء للأفراد أو للأمة.
• رمضان شهر القوة، والصيامُ الذي فرضه الله على المسلمين؛ يبعث القوة في نفوس الصائمين، فهو من الناحية الصحية قوةٌ للجسم؛ يدفع عنه كثيرًا من الأمراض، ويشفيه من كثيرٍ من العلل. فالصيام يعطي المسلم قوًى معنويةً متنوعةً، لها أكبرُ الأثرِ في سعادة الأفراد والجماعات، فيعطيه: قوةَ الصبرِ، وقوةَ النظام، وقوةَ الطاعة، وقوةَ التحملِ، وقوةَ الإيمانِ.
ولقد قص القرآن الكريم علينا فيما قص: أن أممًا كانت قويةً في مظاهر الحياةِ الماديةِ؛ فعاثت في الأرض فسادًا، وحاربت أنبياء الله ورسله وأولياءه؛ فكانت عاقبة أمرها خسرًا. قال تعالى: "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ" (سورة الفجر 6-14).
وفي معركة بدر أروعُ مثالٍ شاهدٍ على ذلك؛ فالمسلمون الثلاثُمائة الذين انتصروا في بدر كانوا عربًا ككفار قريش الذين بلغ عددُهم في بدر ألفًا، وأولئك أقرباء هؤلاء، ومن بلد واحد، والسلاحُ الذي في يد الألف أكثرُ وأضر. فانهزم الكفرةُ هزيمةً سجلها القرآن مثلًا رائعًا يدل على ما تستطيع القوة المعنوية أن تحرزه من نصر على القوة المادية.
وكما ضربَ القرآنُ المثلَ بالأمة التي تجمع بين القوتين؛ فكذلك ضرب مثلًا للفرد الذي يجمع بين القوتين فَيُفْلِحُ وينجح بموسى -عليه السلام- حين سقى للفتاتين الماء بقوة عضل وجسم، ومشى معهما إلى أبيهما، لا يرتفع طرفُه إليهما عن حياء وتكرم، وخلق نبيل: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}. (القصص 26).
هذا هو الصيام الذي فرضه الله على المسلمين... وتلك بعض فضائله...
رمضان في التاريخ:
في عام 13 قبل الهجرة:كانت (ليلة القدر) وهي الليلة التي نزل فيها القرآن بحسب المصادر الإسلامية، وأول آية في القرآن وهي (اقرأ)، ومختلف موعدها فهي في الأيام الفردية من العشر الأواخر من هذا الشهر الكريم.
العام الأول الهجري: كانت (سرية سيدنا حمزة رضي الله عنه)، وأول لواء يعقده رسول الإسلام صلى الله تعالى عليه وسلم.
في السنة الثانية من الهجرة فرض الله عز وجل على المسلمين صيام شهر رمضان وكان ذلك قبل غزوة بدر؛ في السابع عشر من رمضان وقعت (معركة بدر الكبرى) وسميت معركة الفرقان ،وكان ذلك في السنة الثانية من الهجرة- لأنه سبحانه فرق فيها بين الحق والباطل بنصر رسوله والمؤمنين وخذل الكفار المشركين.
وفي السنة الخامسة من الهجرة في رمضان كان الاستعداد (لغزوة الخندق) أوالأحزاب التي انتصر فيها المسلمون بفضل الله ورحمته بغير قتال ولا معركة قال تعالى: "وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا" (الأحزاب 25).
في العشرين من رمضان سنة ثمان من الهجرة تم فتح مكة - البلد الأمين - دخلها النبي صلى الله عليه وسلم دون قتال وأعطى أهلها الأمان وطاف بالكعبة وهو يشير إلى الأصنام التي حول الكعبة ويقول: (جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا)، وصار بلدا إسلاميا حل فيه التوحيد لله تعالى وحده والإيمان به سبحانه.
وفي شهر رمضان من السنة الثامنة للهجرة تحطمت بعد فتح مكة رموز الشرك، وهدمت اللات والعزى ومناة...
وفي شهر رمضان أقبلت وفود على رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلن إسلامها من قبائل شتى بعد أن أيقنت أن هذا الدين هو الحق.
في القرن الرابع الهجري في رمضان عام 361 هـ. تم (بناء الجامع الأزهر)، وهو ثالث جامع بني في مصر، وسمي بالأزهر نسبة للسيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها.
وفي شهر رمضان عام 479 ه. للهجرة انتصر المسلمون على الإفرنج في الأندلس في (معركة الزلاقة) بقيادة يوسف بن تاشفين...
وثمة أحداث كثيرة جليلة جرت في هذا الشهر العظيم؛ منها:
فتح مصر، فتح الأندلس، فتح عمورية، فتح بعلبك في بلاد الشام، فتح الكرك وصفد، معركة عين جالوت، انتصار مسلمي المغرب على الفرنج الصليبيين، فتح أنطاكية، حرب أكتوبر أوالعاشر من رمضان، التي انتصر فيها المصريون على الصهاينة، بناء جامع ابن طولون في القاهرة، فتح مدينة بلغراد مفتاح أوربة الوسطى، فتح جزيرة ردوس، بناء مسجد القيروان، بناء مسجد عمرو بن العاص بالفسطاط، فتح بلاد السند... إلخ.
الخاتمة:
إذا انقضى شهر رمضان.. فإن الصيام لم ينقضِ، والقيام لم ينقضِ، وتلاوة القرآن لم تنقضِ.
فالمؤمن الحق ليس له انقطاع عن العبادات، ومنها الصيام؛ فالصيام مشروع في العام كله. عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر» (رواه أحمد ومسلم). وصيام ثلاثة أيام من كل شهر قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: «ثلاث من كل شهر، ورمضان إلى رمضان.. فهذا صيام الدهر كله» (رواه أحمد ومسلم)، وقال أبو هريرة رضي الله عنه: «أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث؛ وذكر منها صيام ثلاثة أيام من كل شهر، والأَوْلَى أن تكون أيام البيض، وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر»؛ لحديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا أبا ذر إذا صمت من الشهر ثلاثة فصم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة» (رواه أحمد والنسائي وابن حبان)، وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن صوم يوم عرفة فقال: «يكفر السنة الماضية والباقية» (رواه مسلم)، وسئل عن صيام عاشوراء فقال: «يُكَفِّر السنة الماضية».
وكان النبي صلى الله عليه وسلم "يتحرَّى صيام الإثنين والخميس» (رواه الخمسة إلا أبا داود فهو له من حديث أسامة بن زيد). وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تُعْرَض الأعمال يوم الإثنين والخميس؛ فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم» (رواه الترمذي، وضعفه علماء؛ لكن له شاهد يعضده؛ حيث ثبت في صحيح مسلم أن الأعمال تعرض كل يوم إثنين وخميس) ( مجالس شهر رمضان: ابن عثيمين).
وقد شرع الله سبحانه وتعالى في ختام هذا الشهر زكاة الفطر، وشرع التكبير عند إكمال العدة من غروب الشمس ليلة العيد إلى صلاة العيد قال تعالى: "ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون" (البقرة 185).
كما شرع الله سبحانه وتعالى لعباده صلاة العيد يوم العيد، وهي من تمام ذكر الله عز وجل، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بها أمته رجالا ونساء، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم النساء أن يخرجن إلى صلاة العيد، مع أن البيوت خير لهن فيما عدا هذه الصلاة، وهذا دليل على تأكيدها، قالت أم عطية رضي الله عنها: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نُخْرِجهن في الفطر والأضحى؛ العَوَاتِق والْحُيَّض وذوات الخدور ، فأما الْحُيَّض فيعتزلن الْمُصَلَّى ويشهدن الخير ودعوة المسلمين. قلت: يا رسول الله، إحدانا لا يكون لها جلباب، قال: لِتُلْبِسْها أختها من جلبابها» ، (متفق عليه رواه البخاري).
قال أنس بن مالك رضي الله عنه: "كان النبي صلى الله عليه وسلم لايغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات ويأكلهن وترا" (رواه أحمد والبخاري).


بارك الله لنا في شهرنا، وسلك بنا طريق الهداية بفضله ورحمته، وتعطف على كافة أموات المسلمين، اللهم اغفر لهم وارحمهم...
اللهم فكما بلغتنا شهر رمضان فاجعل عامه علينا من أبرك الأعوام، وأيامه من أسعد الأيام، وتقبل منا ماقدمناه فيه من الصيام، والقيام، وقراءة القرآن...
اللهم اغفر لنا ما اقترفناه من الآثام، اللهم وأعتق رقابنا ووالدينا ووالديهم من النار، وارفع لنا بصيام شهر رمضان عندك الدرجات، واغفر اللهم لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الراحمين...
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان؛ واجعلنا من الراشدين...
اللهم اجعل قلوبنا منيرة بضياء القرآن الكريم، مطمئنة بذكرك يا أكرم الأكرمين...
اللهم صل وسلم على سيدنا محمد؛ صلاة ترضيك وترضيه وترضى بها عنا يا رب العالمين...
اللهم فصل وسلم كذلك على جميع رسلك وأنبيائك...
والحمد لله على ذلك...
محمود عبد الصمد الجيار
محمود عبد الصمد الجيار

أسماء عبد الكريم خليفة: رسالة (فضل شهر رمضان) للدكتورة أسماء عبد الكريم خليفة Fss

عدد المساهمات : 41
ذكر العمر : 34
أسماء عبد الكريم خليفة: رسالة (فضل شهر رمضان) للدكتورة أسماء عبد الكريم خليفة 112

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى